البحث عن مُحلحِل

البحث عن مُحلحِل

12 فبراير 2018
+ الخط -
خرج أهل الشرعية مؤخراً في رحلة بحث عن أي مخرج لحالة الانسداد في ماسورة السياسة الأم بمصر، بظهور الفريق أحمد شفيق وإعلان رغبته في الترشح، فتبنى بعضهم نظرية "أياً كان"، التي تقضي بأن الدعم واجب بغض النظر عن أي اشتراطات.

ثم بإعلان المحامي خالد علي ترشحه، دعم بعض آخر نظرية "أفضل من لا شيء"، وهذه تتبنى دعم أي مرشح يستطيع أن يتقدم بأوراقه شريطة أن يكون "ينايرجيا".

وبإعلان الفريق سامي عنان عن نفسه مرشحا قويا، تمسك آخرون بنظرية "لا يفل الحديد إلا الحديد"، فالعسكر لا يقهرهم سوى عسكريين أمثالهم، ومن هنا كان الاصطفاف خلف مرشح عسكري هو الأولى.

لم يثر اهتمامي ركض من سمّوا أنفسهم بـ"القوى المدنية" خلف أي من هذه النظريات ومحاولة إثباتها، فلطالما صنعوا الوهم ونفخوا فيه وصدروه للعامة في صورة جسد له خوار؛ ثم يفشل الطرح فيقيموا له سرادق عزاء ويتشحون بالسواد، ويوقدون على روحه الشموع.

ما أثار حفيظتي حقا هو فصيل الشرعية المهمش، الذي انبرى يؤيد ويعارض ويبدي رأيه في هذا أو ذاك متوهما أن أحدا ينتظر رأيه أو دعمه أو وجهة نظره، بل ومصدقا الأوهام المطروحة دون تفنيد لحقائق أو الرجوع لتاريخ.

إنني أجد لهم كثيراً من العذر في نفسي، فالظلم طال أمده، والمعتقلون وذووهم في حالة يرثى لها، والقتل على الهوية صار أمراً مستحسناً، والاختفاء القسري بات خبرا يوميا ثابتا، لكني ما زلت أجهل كيف سيشكل أنصار 30 يونيو ملاذاً لمعتقلي ومعذبي معسكر جردوه عنوة من استحقاقاته؟ واستدعوا لدهسه دبابة ثاروا معا عليها، وجردوه من شرف الانضمام لثورة يناير، ونزعوا عنه صفة المدنية ليصير لا مدنياً ولا عسكرياً! بل وجعلوه شريكا في إرهاب مفتعل من نظام انقلابي، بحجة أنه رد فعل ذاك المعسكر عليه؟!

إن حديث هؤلاء عن شهداء ومعتقلين لا يتعدى كونه حديثاً عنصرياً عن قتلاهم ومعتقليهم هم، أما عن قتلى أهل الشرعية فما كانت أكتاف الإخوان منهم في ثورة يناير سوى سلم للصعود للسلطة، وما جثث قتلاهم في رابعة سوى طريق ممهد للوصول للحكم.

كان رد حازم حسني على اقتراحات عرضها يوسف ندا على حملة رئيس الأركان عنان يستشف منها نواياه في محاولة حقيقية لحلحلة الوضع، هو أنهم لا يتلقون شروطاً من أحد، وفي رده على أحد الأسئلة التي ساوى فيها بين الإخوان ومؤيديهم بالصهاينة، ردا كافيا ليعلم أهل الشرعية أنهم غير مستهدفين بتلك الحملات لا من قريب ولا من بعيد؛ وفي بيان التيارات الليبرالية والعلمانية المختلفة كل البراهين على أنهم غير معنيين بمن أطلقوا عليهم مصطلح "إسلاميين".

وفي النهاية أود أن أوضح أني لست ضد حلحلة الوضع أو التفاوض أو الاصطفاف، لكني أحتاج أن أرى مفاوضات حقيقية لها بنود واقعية، ورغبة ليبرالية صادقة في الاصطفاف تصحبها جرأة على الاعتذار.

أؤمن بأن الأمر لا بد أن ينتهي يوما بمفاوضات من نوع ما، مُعلَنة كانت أم خفية، ولكني أيضا على قناعة بأن الوحيدين الذين يملكون حق البت فيها هم من في السجون، فما نحن على الصفحات إلا أفواه تتحدث وعيون تراقب من مدرجات المشاهدين.
7048540C-B765-4399-A999-CB7869F215E2
رانيا مصطفى
باحثة مهتمة بالتاريخ والسياسة والأدب والعلوم الإنسانية. تقول: كل فكرة فى مقال ماهى إلا رسالة فى زجاجة ملقاة فى بحر تتقاذفها أمواج الأيام حتى تصل إلى من يهمه الأمر