العطب الذي مس النخبة الجزائرية

العطب الذي مس النخبة الجزائرية

01 فبراير 2018
+ الخط -
تندرج علاقة النخبة بالمحيط السياسي الممثل في السلطة والبيئة المجتمعية المجسدة في مختلف الفئات المدنية، ضمن إشكالية ترابطية وحتى جدلية...

ومع مرور الوقت، تمكنت النخبة من أن تبني قطباً مرجعياً ذاتياً تطرح من خلاله تساؤلات عن ماهية الدور الذي ينبغي أن تلعبه هذه الشريحة في مختلف الأدوار الحياتية، فهي محل استقطاب الأنظمة الشمولية لتبرير شرعيتها ومحور تخوف وتباعد لدى ومع الجماهير الشعبية في الآن ذاته.

فلطالما طُرحت تساؤلات جمة حول موقع النخبة الوطنية الجزائرية في الوسط السياسي والاجتماعي ومدى فاعليتها ودورها المنوط بها تجاه الشأن العام.

وتفاوتت القراءات حول أداء النخبة بين اتهامها بالتقاعس في الانخراط في النقاش المجتمعي وبين من يرى أن السياقات التاريخية لها تبريرات في فهم سلوكيات النخبة الوطنية تجاه عدم المشاركة الفعلية في صناعة الرأي العام.

وهذه محاولة، لفهم تلك المسارات والإشكاليات..

النخبة المفككة

لظروف تاريخية مرتبطة بالوضع الكولونيالي، شهدت الجزائر بعد الاستقلال ازدواجية في المشهد السياسي والثقافي والتعددية اللغوية والأيديولوجية.

وبذلك، انقسمت الجغرافيا "بوليتيك - كولترا" إلى التيار الفرونكفوني -الحداثي والتيار الإصلاحي- الإسلامي - العروبي.

وكما هو معلوم، فإن التيار الحداثي يؤمن بالفصل بين الدين والسلطة وبناء مجتمع عصري يسوده العلم والثقافة واللغة الفرنسية، يعتمد على مركزية الدولة في التحديث والعصرنة.

أما التيار النخبوي المحافظ، فيرى بناء المجتمع على أسس الدين الإسلامي والارتباط بالمشرق العربي ويركز على العمل القاعدي في بناء الدولة.

بين هذا وذاك، بات التفكك والانقسام الأيديولوجي والهوياتي، السمة التي طبعت النخبة، مما أنتج وضعاً مليئاً بصراعات وتصادمات بين تلك النخب بدلاً مـن أن يكون تنافسياً وبناءً.

وبدل أن تمدد جسور الحوار بغية إيجاد مساحات مشتركة تعمل على تحقيق هذه القواسم على غرار دولة القانون واحترام الحريات العامة والديمقراطية والسوق الحرة.

ضاع جهد النخبة في التقاطع والتصادم والتخوين وتبادل الاتهامات بالعمالة، ما جعل السلطة تستخدم الأطراف المتصارعة في خدمة أجندتها.

النخبة كطبقة

تمتلك النخبة، الرأس المال الثقافي أو الرمزي، كما يقول عالم الاجتماع الفرنسي بيار برديو. وصار يشكل اليوم الثقل المعرفي، صنعت منها تكتلاً أحدث قطيعة مع الوسط السياسي والمجتمعي، فأول من استخدم كلمة "انتليكتوال" هي النخبة الفرنسية في إشارة إلى الوضعية الاستثنائية - الفوقية، عن باقي الشرائح الاجتماعية، فالمثقف لا يريد أن يكون في المراتب الأدنى في الأجهزة السياسية والإدارية التي يراد تقزيمه فيها ولا يمكن أن يسير وراء الحركة النقابية المناضلة عن الطبقات والفئات الهشة.

وعلى هذا الأساس، فإن المثقف يعتقد أن له أدوات ووسائل وأشكالاً تعبيرية تختلف تماماً عن باقي الشرائح، حتى ولو كان المثقف يعيش داخل الأوساط الشعبية ولا يمتلك امتيازات خاصة، عدا قيمة رأس المال المعنوي.

وبناء على ما سبق، تكونت عند المثقف الوصاية النخبوية على محيطه الاجتماعي، لكنه أصبح العنصر الوحيد الذي لا يمتلك قاعدة اجتماعية ولا عصبة ولا طائفة ولا عشيرة ولا يبحث عن عناصر القوة المادية.

علاقة السلطة بالنخبة

تاريخياً، عملت السلطة السياسية على تهميش النخبة في صناعة التنمية الوطنية وتبوء المراكز السياسية والإدارية الحساسة، بفعل التخوف من النفوذ الاجتماعي والسياسي والثقافي من المثقف الموروث تاريخياً، وشكل هذا الوضع هاجساً لدى السلطة الذي عملت على تهميشه.

وبالتالي، فإن الصراع الخفي بين السياسي والنخبوي بدأ بتاريخ الحركة الوطنية إلى ازدراء النخبة والعمل على تقليص حجم إسهاماتها السياسية والإدارية والتنموية وتركه محل شبهات في الأوساط الجماهيرية.

كما يعد انفصال الفكر عن السياسة بشبه كامل نتيجة الإحباطات والانكسارات التي عرفتها النخبة خاصة خلال الأزمة الأمنية، أين تعرض الانتليجيسيا الوطنية إلى الإبادة والتصفية الجسدية والسجن والتعسف والقهر السلطوي.

وجدير بالذكر، فإن دور النخبة في التأهيل السياسي والمواطناتي والحقوقي للشعوب يمر عبر تأسيس جملة من المعايير والمفاهيم تكون قاطرة للتعبئة الجماهيرية.

وفي اعتقادي، يتعين على النخبة، اليوم، أن تلعب أدوارها، ليس بتأسيس كيان نخبوي أو التحالف مع السلطة الشمولية، بل عبر تأسيس وتكوين المجتمع المدني كإطار حر ومستقل يجمع الفاعليات والمكونات الوطنية المختلفة والمتوازنة في المقاربات.