معتقلو مصر بين المطرقة والسندان

معتقلو مصر بين المطرقة والسندان

08 ديسمبر 2018
+ الخط -
ربما لم تمتلئ سجون مصر بالمعتقلين الأبرياء، مثلما امتلأت في عصر الانقلاب الثاني للعسكر في 3 يوليو 2013، فالأعداد ضخمة وتصل في بعض التقديرات إلى أكثر من ستين ألف معتقل ومعتقلة من جميع الاتجاهات الوطنية.

وإن كانت الغالبية العظمى من معتقلي الشرعية من جماعة الإخوان ومؤيديهم، غير المختفين قسريًّا، هذا غير من قُتلوا بأيدي قوات الانقلاب من الجيش والشرطة في رابعة والنهضة والحرس الجمهوري والمنصة، وما قبلها وما بعدها وحالات الإعدام الظالمة، التي جرى بعضها بغير انتظار لحكم محكمة النقض، في سوابق قانونية بشعة سيظل التاريخ يؤرِّخ بها لإجرام العسكر وفساد القضاء على مدى الأجيال القادمة.

ولكن، بغضِّ النظر عن الواجب الوطني الحتمي بإسقاط الانقلاب، فإن هناك واجبًا أشد إلحاحًا ينازعه، وهو واجب الاهتمام بالمعتقلين، أي العمل على إخراج المعتقلين من أَسْرِهم لإنقاذ حيواتهم ومستقبلهم وحيوات أهليهم وأبنائهم؛ فكل معتقل ترتبط به أسرة: أب وأم وزوجة وأبناء وإخوة، توقفت حياتهم بغيابه، وارتبك نظامهم بالبحث عنه والجهد الجهيد في زيارته، غير غياب الدخل المنتظم، وكثرة المطامع فيهم، وقسوة الذئاب البشرية عليهم.

أقول: إن واجب إخراج المعتقلين ينازع واجب إسقاط الانقلاب؛ فلماذا؟

لأن إخراجهم يتطلب ضرورة إبرام صفقة بين القوى السياسية الحقيقية، وعلى رأسها الإخوان والنظام الانقلابي، والقوى السياسية التي ينتمي إليها الشباب المعتقلون تختلف مواقفها من النظام. فبينما وضع النظام التيار الليبرالي والناصري والاشتراكي في جيبه وجنَّد رموزهم في صفوفه؛ فصاروا من حملة المبشرين بعدالة السيسي ونظامه والمبرِّرين لمظالمه، والمهاجمين لخصومه، وبالتالي لا يبحثون عن مصلحة الشباب المنتمي لتيارهم بل بالأحرى قاموا ببيعهم من أجل مصلحتهم هم، نجد الإخوان، وهم أصحاب العدد الكبير من المعتقلين رجالًا ونساءً، يرفضون التفاوض مع النظام حتى تتحقق عدة أمور، منها: عودة الرئيس مرسي وإلغاء الأحكام وإخراج المعتقلين، يعني عودة العجلة للوراء وعودة الشرعية كاملة، وهو طرح خيالي ما زال رموز الإخوان يرددونه ويعتبره بعضهم من المسلَّمات، بل ويحكم بنفاق من لا يصدق حدوثه.

وبطبيعة الحال، فإن النظام مستفيد من موقف الإخوان بل معجب به، فهو يوفر عليه فكرة المفاوضات والمبادرات، وأن يكون النظام هو الرافض، حتى لا يُحرَج أمام بعض داعميه الذين ربما يريدون تهدئة الأوضاع في مصر الآن أو في وقت قادم.

من هنا، فإن المعتقلين الأبرياء في سجون النظام الفاشي في مصر، قد وقعوا بين مطرقة النظام المجرم الذي يشبعهم تعذيبًا حتى يتمنى بعضهم الموت ويُذيق أسرهم وأهليهم أهوالًا، وبين سندان رموز وقادة التيارات التي ينتمون إليها، والتي لا تهتم بإخراجهم وإنقاذهم سواءٌ لموالاتهم النظام وتحولهم لعملاء له، أو لأنهم يعيشون في غيبوبة خارج الواقع المرير، ويعيشون أوهام النصر المبين وعودة الشرعية كاملة.

فمن لكم أيها المعتقلون غير الله الكريم؟
B441F5E9-C450-40B4-8A2E-54D34F793A23
إسلام عبد التواب

باحث في التاريخ الإسلامي وكاتب في القضايا الفكرية والسياسية.