قصة أكبر انتحار جماعي

قصة أكبر انتحار جماعي

06 ديسمبر 2018
+ الخط -
استيقظت أميركا صباح 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 1978 على فاجعة ومأساة أكبر (انتحار جماعي) في العصر الحديث، 913 شخصاً انتحروا في مكان ووقت واحد، في ما يعرف بـ"جونز تاون"..

بدأت القصة مع الأب "جيم جونز" الذي أنشأ طائفة دينية بروتستانتية، ودعا إلى نبذ العنصرية ورفع شعار المساواة بين البيض والسود والأغنياء والفقراء، كما قدم خطاباً في مواجهة العنصرية الشديدة تجاه السود في أميركا آنذاك.

انضم للطائفة ما يقرب من 30 ألفا، وجونز كان متحدثاً بارعاً، مقنعاً، استطاع أن يجذب الأنظار إليه واكتسب شهرة، وكوّن علاقات قوية مع سياسيين لدرجة تزكية زوجة جيمي كارتر وأعضاء في الكونغرس له ولكنيسته.

في بادئ الأمر، كنيسة الأب جيم جونز كان لها نشاط خيري واسع، فأصبحت الطائفة بذلك ملجأ للسود والعجائز والمهمشين، ثم قرر "جيم جونز" الهجرة إلى دولة غيانا لإنشاء جنتهم الخاصة ومجتمعهم المنتج المكتفي بذاته. و"غيانا" دولة تقع على الساحل الشمالي الشرقي لأميركا الجنوبية، ودعا أتباعه للهجرة لإنشاء مجتمعهم المتساوي، الذي لن يسمعوا فيه كلمات عنصرية، ولن يروا فيه فروقات طبقية.


لحق بجونز حوالي ألف من أتباعه.. وبدأوا في إنشاء البيوت والمخيمات في منتجع بين الأدغال أطلق عليه "معبد الشعوب". جونز كانت له ميول ماركسية -حسب تصريحاته- وكان على أيّ من الأتباع إذا أراد الانضمام إلى المجتمع الجديد أن يقوم بتسليم كل أمواله التي بحوزته ودفتر الشيكات وجواز سفر وإثباتات شخصيته على البوابة قبل الدخول..

في البداية انتقلت إلى العالم صور السعادة والإخاء في منتجع جونز تاون أو "معبد الشعوب"، لكن بعد فترة تناقلت أخبار محدودة عن تعذيب واحتجاز وحوادث اغتصاب، وبعد تداول الأمر في الصحافة الأميركية زار عضو الكونغرس "ليو رايان" مع صحافيين ومصورين "جونز تاون" بغرض نقل الصورة الحقيقية عن حياة قرابة ألف مواطن أميركي.

أمر جونز أتباعه بلبس أفضل الملابس والرقص والظهور بمظهر السعادة، وإذا سألهم أي صحافي عن المكان أن يجيبوا أنه: مكان رائع ويعيشون فيه بسعادة، هكذا ببساطة أمرهم وهذا ما فعلوه.

أثناء وجود عضو الكونغرس والصحافيين بدا كل شيء رائعاً والجميع سعداء، إلا إن أحد المقيمين في المعبد وضع ورقة في جيب صحافي، كُتب عليها "أنقذونا نحن محتجزون هنا"..

بدأ عضو الكونغرس والصحافيين لقاءات واستجوابات فردية مع كثير من المقيمين، فتبين أن الوضع كارثي، وأن جونز يستعين بأتباع مخلصين مدججين بالسلاح لحراسة المعبد وإجبار المقيمين على أفعال معينة، وأن الوضع الصحي سيئ جداً.

وبعد حصار "جونز" بالأسئلة من قبل الصحافيين، سمح لمن أطلق عليهم بـ"الجاحدين" بمغادرة "جونز تاون".. وطلب من الصحافة تركه وبقية أتباعه لشأنهم، وبعد وصول حوالي 16 "جاحداً" بصحبة عضو الكونغرس إلى مهبط الطائرات للعودة لأميركا، أرسل "جونز" مجموعة مسلحة أمطرتهم بالرصاص، مات عضو الكونغرس وصحافيين ومصور وبعض المغادرين، واستطاع عدد قليل الهرب إلى قرية مجاورة.

بعدها دعا "جيم جونز" كل أتباعه إلى اجتماع طارئ، وجمع 913 شخصاً في مكان واحد، وخطب فيهم على وقع الموسيقى بكلمات حماسية، وطلب منهم الموت، وقال: ليكن "انتحاراً ثورياً".. الاشتراكيون لا يخافون من الموت، الأعداء متربصون بنا في كل مكان..

بدأ الأمر بحقن 260 طفلاً بمادة السيانيد ولم يبق أمام الكبار أمل ولا طريق، وأطفالهم ماتوا أمام أعينهم، استجاب الجميع لشرب السُمّ، ولم يقاوموا. ماتوا جميعاً، عدا اثنين استطاعا الهرب، وكان العدد الإجمالي 913 منتحراً وقتيلاً.

صباح 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 1978 وجدت الشرطة كمّاً هائلاً من الجثث، وبجوارها كميات كبيرة من السيانيد، وجيم جونز ميت جراء رصاصة اخترقت رأسه. كان صباحاً مفجعاً، نموذج لنهاية شخص قاتل، مهووس، مسيطر، وأتباعٍ عاجزين لم يستطيعوا التخلص من قيد السيطرة النفسية والفكرية.

انساقوا تماماً.. خضعوا تماماً.. وماتوا انتحاراً.