"فتيان" الشاشة يتحدثون عن أجمل فتياتها (2 - 2)

"فتيان" الشاشة يتحدثون عن أجمل فتياتها (2 - 2)

20 ديسمبر 2018
+ الخط -
ختمت حواري مع الفنان الكبير أحمد زكي بسؤاله عن علاقة سعاد حسني بالفنان الشامل صلاح جاهين، لأضم شهادته إلى الموضوع الذي كنت أكتبه في نفس العدد عن علاقة صلاح جاهين بسعاد حسني، وسألته تحديداً عن الهجوم الذي شنه الكثيرون من الفنانين وصناع السينما على هذه العلاقة التي اعتبروا أنها كانت بداية تخلي سعاد حسني عن عرش (نجمة الجماهير) و(فتاة الشاشة الأولى)، لأنها بدأت منذ توثق علاقتها بصلاح جاهين في اختيار موضوعات جادة أو "غامقة" بتعبير أهل السينما وقتها، على عكس فيلم (خلي بالك من زوزو) الذي كان الكثير من المنتجين وصناع السينما يحلمون بتكرار نجاحه الساحق وتحقيقه لأرقام قياسية في شباك التذاكر، لكنهم فوجئوا برفض سعاد تكرار عمل أفلام من تلك النوعية، برغم محبتها الكبيرة لشخصية زوزو ولفيلم (خلي بالك من زوزو)، لكنها في الفترة التي اقتربت من صلاح جاهين كأب وأخ وأستاذ ومستشار فني، بدأت تفضل دعم التجارب السينمائية الجادة والعمل مع المخرجين الشبان.



كنت قد سألت أحمد زكي عن علاقته الشخصية والفنية بصلاح جاهين في حوارات سابقة نشرت في مجلة (صباح الخير) وصحيفة (الجيل) وفي حوارات لاحقة نشرت في مجلة (المصور) لذلك ركزت في هذا الحوار على شهادته عن علاقة صلاح جاهين بسعاد حسني كما رآها، وكان هذا ما قاله:

"من دواعي سروري وفخري إني كنت شاهد على هذه العلاقة، وكنت دايماً لما أشوف ردود الأفعال اللي بتهاجم هذه العلاقة الجميلة الراقية، أقول لنفسي إيه المصيبة الخايبة المنيلة على دماغنا، لما كل فنان يسترشد برأي راجل محترم، كاتب أو أديب، تلاقي في غضب وتسمع تحذير، اللي يقولك بلاش هيبوظ لك دماغك، واللي يقولك اشمعنى فلان واشمعنى فلانة، يعني ما الذي كان يمنع إن سعاد حسني تقترب من هذا العتويل العظيم، الفنان والشاعر والصحفي والسينمائي والكاريكاتيرست، صلاح جاهين ده مهما تسمع عنه وتقرا له، مش هتتصور قد إيه كان شيء عظيم جدا، شيء رائع جداً، حكيت لك قبل كده إزاي لما اقتربت من صلاح أفادني جداً، يعني انت باختصار عايش جنب موسوعة.

لكن طبعاً ما فيش حد فينا كانت علاقته قوية بصلاح زي سعاد، صلاح لما يلاقي موهبة لا يبخل عليها أبداً، كان فرحان بيها، صلاح كان عارف إن الفنان لما يبقى موهوب أوي بيعاني أوي، وكان صلاح حساس وفاهم شخصية سعاد، كان يقعد يفسّر لها المشاهد والجمل، ويخش في بطن الشغل ويحلل لها الكلمة بالحرف، وكان يصلّح المشاهد من وحي كلامه معاها، وهي كمان معاه كانت بتبقى على سجيتها، الموهوبين بتبقى لغة حوارهم مع بعض مختلفة عن لغتهم مع الآخرين، صلاح كان واحة، لا يمكن إنك تخجل من إنك تغلط قدامه أو تقول رأي مش موفق لإنك عارف إنه هيكون صادق معاك وهيعلمك من غير تعالي. ومش بالسهل إنك تلاقي ده في الوسط الفني اللي ممكن الإنسان يحس فيه إنه غريب واللي فيه كثيرين بيتعاملوا مع سعاد النجمة مش مع سعاد الإنسانة وممكن تسمعهم بيقولوا عليها من وراها هي عاملة كده ليه، عشان مش فاهمين شخصيتها وطريقتها، وعشان كده سعاد تمسكت بصداقتها مع صلاح، اللي عرف إزاي يتعامل مع هذا الكائن الحساس الرقيق اللي اسمه سعاد حسني.



للأسف في ناس كتير استكتروا ده على سعاد، حتى بعض أصدقاءها بدأوا يحاربوها، وعايزينها تعمل أعمال وحشة، وشايفين إن صلاح هو اللي واقف ضدهم، عشان هي كانت بتاخد رأي صلاح، طب وفيها إيه لما تاخد رأي صلاح، مش هي بس اللي كانت بتاخد رأيه، كلنا كنا بناخد رأيه، كان حوالين صلاح مجموعة من الأسماء العظيمة دلوقتي، كان صلاح محتضننا كلنا وكان راجل صادق وحنين وكريم، وساعات كتيرة كانت تاخد رأي سلبي عن عمل فيقول لها العمل جميل يا سعاد، ويبقى أصحاب العمل ناس من اللي كانوا بيقولوا عليه ده شيوعي، وأقسم إني عمري ما شفت صلاح جاهين بيقوّي سعاد على أي عمل أو أي مخرج، وللأسف لما ترفض عمل من الأعمال اللي عرضوها عليها يشتموا صلاح، لدرجة إن مرة جاله جواب تهديد بالقتل، لإنهم متصورين إن صلاح جاهين بيمنع عنهم المصالح اللي ممكن يكسبوها من ورا سعاد، وكان بيصعب على سعاد إنها مسببة كل المشاكل دي لهذا الرجل، للأسف في ناس من دول بعد ما مات صلاح شفتهم ماليين الجرايد كلام عن حزنهم على فراق صلاح، طيب يارب تكونوا عرفتوا بجد قيمة إن سعاد اختارت إنها تسترشد برأي صلاح، وإنها تشكر إنها اختارت صلاح جاهين اللي أنا لسه عايش بنصايحه لحد دلوقتي".

.....

كانت الشهادة التالية لنجم كبير عمل مع سعاد في عدد كبير من الأفلام التي كان بعضها مهماً وأغلبها ناجحاً، وهو الفنان نور الشريف الذي كانت شهادته كالآتي:

"لما بيسألوني مين الممثلة اللي تفضل إنك تشتغل قصادها دايماً، من غير حرج ولا دبلوماسية ولا خوف إن حد يزعل دايماً باقول سعاد حسني، وفي الوسط الفني عشان تقول رأي زي ده وانت عارف إنه ممكن يزعل منك ناس، بتبقى وصلت له عن تجارب كثيرة واقتناع حقيقي.

سعاد حسني أضافت الكثير لفن التمثيل النسائي، ولا أقصد الإساءة للفنانات الأخريات، اللي أغلبهم مع احترامي الشديد بيمثلوا في الغالب طول حياتهم دور واحد. سعاد بموهبتها الجبارة واجتهادها الكبير في الشغل أثرت السينما المصرية بتنوع أدوار مذهل ومحير، من استعراضي وغنائي في صغيرة على الحب وخلي بالك من زوزو إلى تحليل نفسي في بئر الحرمان وأين عقلي إلى أفلام كوميدية زي عائلة زيزي وإشاعة حب والساحرة الصغيرة إلى أفلام اجتماعية زي الزوجة الثانية وأميرة حبي أنا والسفيرة عزيزة إلى أفلام سياسية زي الكرنك وغروب وشروق وأهل القمة وعلى من نطلق الرصاص، عشان كده أتمنى إن حد متخصص في تحليل فن التمثيل يألف كتاب عن سعاد حسني، مش بس كمشوار فني، لأ كتفاصيل مممثلة إزاي بتتطور وبتتغير من فيلم للتاني، وإزاي اللي بدأت بالأداء البسيط السهل في أفلام كوميدية، تقدر تنقل نفسها النقلة دي من غير ما تاخد دراسات أكاديمية أو دورات تدريبية.



أعظم ما يميز سعاد حسني بالنسبة لي كممثل اشتغل معاها، إنك عمرك ما تحس وانت بتشوفها أو بتشتغل معاها إنها بتمثل، وده في رأيي أعظم إنجاز للممثل، ولما تشوف عدد الأفلام اللي تديك فيها الإحساس إنها مش بتمثل، وإنها هي نفسها الشخصية، حتى لو كانت شخصية ساذجة أو مركبة، هتعرف مدى أهمية إنجازها كمممثلة. أضف إلى ده التفاصيل اللي بتلاحظها خلال التعامل معاها عن قرب، يعني في فيلم (الكرنك) كنت مرة رايح التصوير وأنا عامل تفصيلة متهيأ لي إني عملت شيء غير مسبوق، كنت سايب حاجة مقطوعة في كم القميص، عشان أبيّن حالة التوهان والضياع اللي شخصية اسماعيل تعرضت لها بعد الاعتقال، فلما وصلت لوكيشن التصوير وشفت سعاد، لقيتها عاملة حاجتين أذكى وأصعب لإن اللي أنا عملته عين المشاهد هتروح له على طول، لإنه في حتة ظاهرة وبالتالي ممكن يحس إني بابالغ شوية، لكن سعاد عملت حاجتين، أولا لقيتها كاعبة الجزمة، وعاملة فتق تحت سوستة الجيبة، عملته بإيديها بالمناسبة، وعلى قد ما اتغظت يومها، على قد ما فرحت إني بافكر زي سعاد حسني بكل موهبتها وخبرتها، هو ده الممثل الاستثنائي، اللي يفكر في الجزئيات الصغيرة دي اللي ممكن المشاهد ما يلتفتش ليها، لكنها بتخلي الممثل يقرب من الشخصية أكتر ويتوحد معاها.

كل أفلامي مع سعاد باعتز بيها جداً من نادية إلى الكرنك إلى أهل القمة إلى غريب في بيتي إلى زوجتي والكلب إلى الخوف، وخسارة كبيرة إنها توقفت، والحقيقة تعبت من كثرة النداءات ليها إنها ترجع، وحزين على ابتعادها، وحزين لإنها لحد دلوقتي ما تمش تقييمها التقييم الفني الصحيح، بعيداً عن وهج النجومية. سعاد على المستوى الشخصي إنسانة بسيطة، لما تعرفها عن قرب تحبها أكتر، يجوز البعض كان ينزعج من وسوستها في الشغل، وده بالطبع شيء بيسبب قلق للي بيبص لفن التمثيل كاحتراف فقط، يعني بيمضي عقد وييجي يمثل ومش عايز حد يزعجه بتفاصيل وأسئلة، وطبعا سعاد كلما كانت بتتطور في شغلها كانت أسئلتها بتبقى أكتر، يعني لما كنا بنعمل فيلم غريب في بيتي فجأة وسط التصوير، تزيد عندها أسئلة عن إحنا بنعمل ده ليه، ومين اللي هيستفاد من فيلم زي ده ويتأثر بها، وكنت أقعد أكلمها عن أهمية الكوميدي اللي حققت فيه إنجازات كتيرة، وإن بالنسبة لنا كمممثلين محتاجين نعمل أعمال مختلفة، تخلينا نكتشف مساحات جوانا، أنا شخصيا لما عملت الفيلم البسيط ده استفدت بيه على مستوى تطور فن التمثيل وخرجت بيه من توتر شديد، وطبعا لما سعاد تقتنع تلاقيها تأدي كأجمل ما يكون الأداء، وبشكل شخصي عمري ما انزعجت من وسوستها ولا اهتمامها الشديد بالتفاصيل، وكنت باعتبر ده فرصة بالنسبة لي كممثل إني أحاول أجيد أكتر".

.....

كانت شهادة النجم محمود عبد العزيز الذي عمل مع سعاد في فيلمين هما المتوحشة والجوع، مختصرة لكنها مليئة بالتقدير والمودة، وقد جاء نصها كالآتي:

"سعاد حسني فنانة نادرة جداً، فنانة شاملة ومعجونة تمثيل، وفي رأيي ما حصلش إن جِه وجه مصري يعبر عن الجمال المصري وعن المرأة المصرية بكل شقاوتها وحزنها وأنوثتها ومشاكلها زي سعاد حسني، وأنا شخصيا باحترم جداً لقب سندريلا السينما المصرية، وأقدر اللي أطلقه، لإنه أصدق لفظ اتقال عليها، وباقوله بجد مش مجرد كلام، زي ما باقول عن اسكندرية إنها عروس البحر، بالنسبة لي سعاد اللي عرفتها هيفضل انطباعي عنها من ساعة ما عرفتها إنها إنسانة خفيفة الظل والروح، عكس ما البعض بيحاول يصورها، بالنسبة لي هي سندريلا لا تشيخ ولا تعجِّز، دائماً هي سندريلا الأسطورية، ما عمرناش شفنا سندريلا أبداً كبيرة أو مش متوهجة، صحيح الوهج ده بياخد أشكال مختلفة، لكنه بيفضل موجود، وأنا واثق إن سعاد عمرها ما تفقد وهجها، وأتمنى من قلبي إنها ترجع وتشتغل، ومتأكد إن ده متوقف فقط على سيناريو جميل وعلى إنتاج جميل.



مع إني اشتغلت مع سعاد وهي في قمة نجوميتها وكنت أنا في بداياتي، لكن عمري ما حسيت برهبة وأنا باتعامل معاها، من أول لحظة شفتها فيها، إنسانة بسيطة جداً وشعبية جداً، بنت بلد جداً، تكسب الأرض على طول مع كل اللي حواليها، وكان عندي سعادة غامرة في كل لحظة اشتغلت معاها فيها، سعادة مش من السهولة إنها تحصل أو تتحقق، بالمناسبة هي أول واحدة خلتني أرجّع شعري لورا، كنت دايماً أفرق شعري على جنب، وفاهم إني كده في أحسن حال (يضحك) لغاية ما احنا وبنحضّر للشغل في (المتوحشة) لقيتها واخداني على جنب وبتقول لي: عارف يا محمود لو رجّعت شعرك لورا يبقى شكله أجمل بكتير، كان عندها إحساس فطري بالجمال، إحساس عفوي وخير ومحبة لكل اللي بيشتغل معاها كبير أو صغير، وحرام إن السينما والوسط الفني يتحرم من الطاقة الجميلة دي، ولازم ده يتغير فوراً، وأنا مستعد إني أتعاون في أي مشروع تكون فيه سعاد حسني ولو حتى بمشهد، ولو حد فاكر إني باقول مجرد كلام يتفضل يبادر ويجربني، وهاكون ممتن ليه إنه بيديني فرصة إني أقف قدام سعاد حسني ولو حتى بمشهد أو بجملة".

.....

على عكس ما توقعت لم تكن شهادة النجم حسين فهمي مليئة بالتفاصيل، ربما لأنني لم أكن قد عرفته من قبل، وكانت هذه أول مرة أتحدث معه، أو ربما لأنه تضايق بعض الشيء حين سألته عما إذا كان قد أحس بالرهبة حين وقف مع سعاد حسني لأول مرة، وقد كانت في عز نجوميتها، بينما كان هو حديث العهد بنجومية السينما، كما أنه تحفظ حين سألته عن تفاصيل اتصالاته مع سعاد حسني التي كان قد تم نشر بعض الأخبار القصيرة عنها، وهي الاتصالات التي تضاعفت حين تولى بعدها بفترة مسئولية مهرجان القاهرة السينمائي الدولي وأعلن عن تكريم سعاد حسني، وحاول باستماتة إقناعها بحضور حفل تكريمها، لكن محاولته فشلت. على أية حال كان هذا هو نص شهادة حسين فهمي القصيرة عن تجربة عمله مع سعاد حسني:

"تجربة العمل مع سعاد حسني تجربة رائعة بالنسبة لي، وأكتر حاجة أفتكر بيها الشغل مع سعاد هو قد إيه تركيزها على الأحاسيس، في ممثلين يدخلوا للشخصية من تفاصيل خارجية، من وصف المشهد نفسه، أحيانا من أداء الممثل اللي قدامهم، لكن سعاد بتدخل للشخصية من الاحاسيس، وبتركز على الأحاسيس بشكل أكثر من أي ممثل أو ممثلة اشتغلت معاهم، وعشان كده دايماً تلاقي أداءها ما فيهوش صنعة، فيه رقي، طبعاً التمثيل أحياناً بيبقى فيه قدر من الصنعة، بتزيد مع الاحتراف، لكن مع سعاد ما تلاقيش الصنعة دي، وعشان كده التعامل معها مفيد للجميع ممثلين ومخرج وفريق العمل، لإنها بتدقق وتهتم بكل التفاصيل الصغيرة.

ما كانش عندي رهبة لما وقفت قدامها لأول مرة لإني كنت دارس تمثيل، لكن طبعاً في الوقت ده اسم سعاد حسني كان شيئ مهم جداً، وما فيش شك إن وقوفي قدامها اداني دفعة كبيرة، وكان في ناس كتيرة من النجوم اللي من جيلي بيحقدوا عليا شخصياً عشان خدت الفرصة دي. مواقفي مع سعاد كلها كانت لطيفة، يمكن أكتر حاجة بتحضرني فيها السفريات اللي سافرناها سوا في مهرجانات أو حفلات لعرض الأفلام في دول عربية، سعاد رفيقة سفر جميلة جداً، وصحبتها ممتعة، إنسانة بسيطة وسهلة في التعامل، برغم نجوميتها الجبارة عُمرها ما كان عندها غرور، واهتمامها دايما بالفن مش بالتفاصيل اللي حوالين الفن اللي بتخطف العين في أحيان كتيرة، يعني جت لها فرص خيالية قلما تأتي لحد من ناحية الأرقام المادية، وكانت ترفض لو ما عجبهاش السيناريو، وأنا شهدت على ده بنفسي، شفت برضه إزاي اتعرض عليها إنها تمضي عقود احتكار بأرقام تخوف من كتر ضخامتها، ما كانتش مطروحة لأي حد في الساحة، وفي كل مرة ترفض وتقول لأ، لإن ده هيحرمني من الشغل مع المخرجين الجدد أو الكتاب الجدد، وهيخليني أعمل اللي عايزه المنتج اللي مضى معايا عقد الاحتكار، وصعب إنك تلاقي حد يضحي بالأرقام الخيالية دي عشان حريته كفنان، سعاد كانت ولا زالت حاجة استثنائية، وأنا متشوق جداً إني أمثل معاها تاني، وباحاول إني أعمل ده دايماً ومش هابطّل أعمله".

.....

كنت أسابق الزمن للانتهاء من جمع أكبر قدر ممكن من الشهادات، ولأنني لم أتمكن من الوصول إلى النجمين عزت العلايلي ومحمود ياسين بسبب ظروف سفرهما، فكرت في الاتصال بالفنان الكبير كمال الشناوي، الذي كانت سعاد قد عملت معه في بداياتها السينمائية في فيلمين هما (غراميات امرأة) و(ثلاثة رجال وامرأة)، لكن دورها في الفيلمين لم يكن مرتبطاً بدوره، كانت سعاد في تلك الفترة قد شكلت ثنائياً سينمائياً مع شكري سرحان ثم مع أحمد رمزي ورشدي أباظة، لذلك لم يجمعهما عمل كبير، إلا في فترة لاحقة، حين قام كمال الشناوي بدور صغير ومهم في فيلم (الكرنك)، هو دور خالد صفوان رئيس المخابرات الذي يقوم بتعذيب سعاد والأمر باغتصابها، في المشهد الذي صار يعرف لاحقاً بمشهد (فرج) نسبة إلى الممثل الثانوي الذي لعب دور المغتصب، وعلى عكس ما توقعت فقد تحمس كمال الشناوي للحديث عن سعاد، وقمت باستغلال الفرصة للحديث معه عن تجربته بشكل عام في فيلم (الكرنك) الذي أخرجه الأستاذ علي بدرخان عن رواية نجيب محفوظ، وسيناريو كتبه ممدوح الليثي وأعاد صياغته وكتب حواره صلاح جاهين بالاشتراك مع علي بدرخان، وكان هذا نص الشهادة التي أدلى بها النجم كمال الشناوي:

"أولاً كلامي عن سعاد حسني هيكون من خلال خبرتي واسمي اللي كوّنته على مدى خمسين سنة، واللي أظن إنه يأهلني إني أقول إن ما فيش مممثلة مصرية عندها الإمكانيات الفنية اللي بتمتلكها سعاد حسني، مع احترامي لجميع الممثلات سابقاً وحاضراً، يعني كمان هاكلمك كرسام وفنان تشكيلي، لما نتكلم عن مقاييس الجمال والجسم وملامح الوجه الدقيقة الحلوة من عينين وأنف وشعر ورقبة، بنتكلم عن ست مكتملة ما فيهاش أخطاء، سبحان ربنا العليم جعل منها نموذج كامل من التكوين.

أضف إلى ذلك ابتسامة سعاد حسني، شوف إزاي ابتسامتها بتديك شعور بالأمل والبهجة، وبعد كده هتلاقي الأداء التلقائي والطبيعي، من بدايتها، من أول حسن ونعيمة، البنت الساذجة اللي واقفة تسمع من ورا الشباك محرم فؤاد، وتعبيرات وجهها برغم إنها بتشتغل لأول مرة ومش بتشوف الأغنية لايف وهي بتتصور، لأ بتتتصور الزاوية بتاعتها ممكن في يوم تاني خالص، لكن هتلاقي أداءها حالم وموصل لك الإحساس المطلوب بشكل تلقائي، وهو ده اللي بدأت بيه وكملت بيه، المدرسة التلقائية وهي مدرسة من أصعب المدارس في الأداء، لا تُشعر المشاهد إنك بتمثل، لإنك بتشتغل بالإحساس، وده اللي عملته سعاد وخلاها أي دور تلعبه ما تعجزش قصاده، تلعب كل الأدوار، وتفضل دايماً في قمة أداءها، فنانة شاملة صوت وصورة وأداء، إيه ده؟ إزاي ممكن تلاقي ده ممثلة جميلة ومبهرة في أداءها، ربنا سبحانه وتعالى خلقها فيها كل ده، والمؤسف إن فنانة زي دي تكون حساسة لدرجة إنها تتأثر عشان سقط لها فيلم، وإيه يعني، كلنا سقط لنا أفلام، لكن للأسف تأثرت وانطوت على روحها وانكمشت لإنها واخدة دايما إنها تكون في القمة، أنا فاهم الإحساس ده وفاهم سبب ابتعادها لكنه شيء حزين بالنسبة لي كمحب لفن السينما.

لا يمكن أنسى المشهد اللي عملته معاها في الكرنك، ولا أنسى دورها كله في الكرنك، ومن الأفلام اللي باستمتع بيها، وباتوقف دايما بانبهار قدام استخدامها لرعشة صوتها، وإزاي بتستخدم صوتها في الفرع والحزن، وعايزك ترجع وتشوف إزاي بتستخدم صوتها بشكل مختلف في كل مرحلة من مراحل الفيلم، يعني ممكن التعبير عن الفرحة أو الحزن بالصوت تلاقي ممثلين كتير يعملوه، لكن شوف إزاي سعاد لما تعبر عن الاختناق بالصوت، وإزاي الصوت يطلع مختنق. طبعاً المشهد كان قاسي جداً، وكان لازم أدائي فيه يبقى معبر بقوة عن القسوة دي، عشان أضيف على المشهد حالة كراهية للظلم الذي وقع على هذه البنت الجميلة، كنا كلنا عندنا إحساس بالمسئولية إننا نقدم ملحمة ترفض الظلم اللي اتعرض له الإنسان المصري بسبب تجاوز السلطة لحدودها، وعشان كده باكن تقدير كبير لعلي بدرخان المخرج، اللي نسي عواطفه كزوج، وعارف إن المشهد هيكون متعب جداً ومؤلم لسعاد كإنسانة، لكن كلنا وعلى راسنا كسعاد عارفين إن مصير الفيلم كله في إيدين المشهد ده بالتحديد.

المشهد اتصور مرة واحدة طبعاً، ما انت برضه بتشتغل مع ناس فراودة زي علي وسعاد، اتعمل بروفات كتير وتحضير جيد، وطبعاً كلنا كان عندنا رهبة وإحساس بالمسئولية، وإدراك إن إعادة مشهد زي ده هتكون مستحيلة على سعاد، أنا فاكر كويس إني بعد المشهد الكل انهار، سعاد انهارت، خدتها في حضني، وكانت منهارة في البكاء وجسمها كله بيتنفض من كتر معايشة حالة القهر، وفاكر إني فضلت حاسس بالغضب والقرف طول اليوم ويمكن في اليوم التاني كمان، لكن بعد ما تشوف المشهد على الشاشة وتشوف رد الفعل في السينما، أنا فاكر إني شفت تأثر الناس بالفيلم وبالمشهد ده في سينما ريفولي، تأثر رهيب، الإحساس ده هو اللي بيخلي الفنان يسعد بعمله، هي دي السعادة اللي بنشعر بيها من الجمهور.



ما كنتش خايف من دور شرير زي ده، لإني سبق لي وعملت أدوار شر وأنا في قمة مجدي كفتى أول حبيب، عملته في فيلم المرأة المجهولة، وقدام شادية معبودة الجماهير، وكان الكل خايفين إن الدور ده يأثر عليّ وأنا بتعبيرهم يعني معبود النساء (يضحك) فأروح أكسر القاعدة ومع مين، مع شادية اللي هي المفروض حبيبتي في كل الأفلام ونصي الحلو في ثنائيات كتيرة. عشان كده سعدت بالدور ده جداً، وأكيد اللي يختار كمال الشناوي في دور زي ده عارف إنه هيعمل فيه تأثير أكبر من فكرة المساحة أو عدد المشاهد، وعشان كده باعتبر أعلى وأغلى شهادة خدتها على الدور ده كانت من الأستاذ نجيب محفوظ اللي قالي إنت أديت الدور ده بشكل أفضل من اللي تخيلته وعملته، ونجيب مش شخصية مجاملة، وسبق واشتغلت معاه وكان مبسوط بشغلي، لكن عمره ما قال لي تعبير بالقوة ده، وده اللي اسعدني.

على قد ما الدور كان صغير من ناحية الحجم، لكن خد مني دراسة قوية جداً، والحمد لله إني ما وقعتش في مطب إني حتى أقترح على الأستاذ علي إني ألعبه بسكة ضابط شرطة بيزعق ويشخط وينطر، لأ أنا من أول لحظة تعاملت معاه بوصفه سياسي ماكر ثعبان، لما يحب يهدد يقول الجملة بنعومة وهدوء، والحمد لله حسيت بنجاح السكة دي في الأداء خلال التصوير، لما لقيت علي بدرخان بيقدمني لشخصية زارت التصوير، شخصية كنت أسمع عنها لكن ما كنتش أعرفها بشكل شخصي، وهو الأستاذ الشاعر أحمد فؤاد نجم، وهو صديق لعلي بدرخان، وطبعاً كنت أسمع إن ليه حكايات وتجارب في المعتقل، ولما شاف مشهد كنت باؤديه، سألني بعد التصوير: إنت متأكد إنك ما لكش تجربة مع بتوع المخابرات والمباحث، عمرك ما زرتهم ولا رحت شفت استجوابات؟ وأقسمت له إن ده ما حصلش، فقال: تصور بقى إنك وانت بتمثل تخيلت للحظة إنك هتنده تحقق معايا، وفي اللحظة دي اقتنعت تماماً بإن الدور هينجح.

عايز أقول كمان إن سعاد ساعدتني جداً في الأداء لما اتقابلنا قدام الكاميرا، مع إننا ما اشتغلناش قبل كده بشكل مباشر لكن كنا أصدقاء وبيننا مودة كبيرة، ومع ذلك حرصت على إنها يوم التصوير يكون بينها وبيني رهبة وجفاء، عشان ندخل على التصوير وحالة الرهبة والجفوة موجودة، ودي تفاصيل مش أي حد يعرف يعملها بشكل طبيعي ومن غير تصنع، وعشان كده هتفضل تجربتي معاها برغم قصرها تخليني أتمنى إني أكرر الشغل معاها، وعندي أمل إن ده يحصل في أقرب وقت".

.....

انتهت شهادات النجوم الكبار من "فتيان الشاشة" في عصور مختلفة، عن تجربتهم في العمل مع أجمل فتيات الشاشة العربية سعاد حسني، وفي تدوينات لاحقة أنشر ما كتبته عن علاقتها بمكتشفها عبد الرحمن الخميسي، وأستاذها ومكتشفها الثاني صلاح جاهين، والحوار الذي أجريته مع زوجها وحبيبها المخرج علي بدرخان، وما كتبته أيضاً عن زوجها السيناريست الكبير ماهر عواد وعن تجربة (الدرجة الثالثة) التي جمعتهما سوياً.
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.