"فتيان" الشاشة يتحدثون عن أجمل فتياتها (1 - 2)

"فتيان" الشاشة يتحدثون عن أجمل فتياتها (1 - 2)

19 ديسمبر 2018
+ الخط -
في نهاية صيف 1998 فوجئ الكثيرون بمقال نشرته الصحفية مديحة عزت في بابها الأسبوعي بمجلة (روز اليوسف)، زعمت فيه أن صديقة لها شاهدت الفنانة الكبيرة سعاد حسني تأكل من صندوق زبالة في العاصمة البريطانية لندن، وأنها تعيش في حالة مادية وصحية مزريتين، بعد أن تعرضت للتجاهل والإهمال من الدولة ومن الوسط الفني.

كانت تلك المرة الأولى التي يلتفت فيها أحد إلى ما تنشره مديحة عزت في بابها التافه (تحياتي إلى زوجك العزيز) الذي ظلت مستولية عليه على مدى سنوات طويلة، من باب الأقدمية، وليس من باب الكفاءة المهنية، ولأنها كانت تحتفظ بعلاقات قوية مع عدد من الشخصيات النسائية النافذة في الدولة، فقد كان يتم التسامح مع الهراء الذي تكتبه كل أسبوع، والذي كان يفتقد إلى أبسط قواعد التماسك اللازمة لنشر مقال في أي مجلة، فضلاً عن نشره في مجلة كانت شهيرة وقتها بالتشدد في معايير نشر مقالات الرأي فيها، وما أثار الاهتمام بما كتبته مديحة، كان زعمها أنها تنشر شهادة مؤكدة، وهو ما تزامن مع حالة من الغموض كانت تخيم على حياة سعاد حسني، منذ أن سافرت في لندن للعلاج في مطلع التسعينات، وطالت إقامتها هناك أكثر مما كان ينبغي، وتم الإعلان عن عودتها للتمثيل أكثر من مرة في أكثر من مشروع، ولم تتحقق تلك المشاريع، ولم يتضح مصيرها، ولذلك سارعت العديد من الصحف والمجلات والبرامج إلى إعادة نشر ما كتبته مديحة عزت، وبرغم أن أسرة سعاد وكافة المقربين منها، نفوا ما تم نشره بشكل قاطع وغاضب، إلا أن الكثير من الصحف والمجلات استمرت في إعادة نشره، مضيفة إليه بعض المبالغات، في حين قامت صحف ومجلات أكثر مهنية بفتح ملف الحالة الصحية لسعاد حسني، مثيرة تخلي الدولة عن الاستمرار في دفع تكاليف علاجها.

تسبب نشر كل هذه الأخبار والمقالات بما فيها من نفي وجزم وشد وجذب، في نتائج كارثية على نفسية وصحة سعاد حسني، التي كانت معروفة بحساسيتها الشديدة ورقتها البالغة، والتي لم تفهم كيف لم تفلح العزلة الصارمة، التي أحاطت نفسها بها في إقناع هواة القيل والقال بأن يبتعدوا عنها حتى تستعيد صحتها وتوازنها النفسي، وتعود إلى الساحة من خلال مجموعة أعمال كانت تخطط لها مع بعض أصدقائها وعلى رأسهم زوجها السيناريست ماهر عواد، ومع أن سعاد حرصت من خلال المقربين منها على متابعة نشر الردود القاطعة على ما نشرته مجلة (روز اليوسف) وعلى مزاعم احتياجها للدعم المادي، مؤكدة أنها لا تريد دعماً ولا رعاية من أحد، وأنها قادرة على رعاية نفسها والتكفل بنفقاتها كاملة، إلا أنها ظلت متأثرة بما تم نشره لفترة طويلة، وظل ذلك الأثر يرافقها حتى اللحظات الأخيرة في حياتها طبقاً لشهادات عدد من المقربين إليها.

في ذلك الوقت كنت أكتب مقالاً أسبوعياً تحت عنوان (مشاغبات فنية) في مجلة (الكواكب) التي كان يرأس تحريرها الكاتب الكبير الأستاذ رجاء النقاش، والذي كان قد دعاني للكتابة في المجلة بعد أن تعرضت صحيفة (الدستور) للإغلاق، ومع أنني كنت أحصل على مقابل مادي بسيط لما كنت أكتبه، إلا أنني كنت أعتبر أن أجري الحقيقي هو اللقاء الأسبوعي بالأستاذ رجاء، سواءاً في بيته أو في مكتبه بدار الهلال الذي كان يختار أن يعقد اجتماعاته فيه ليلاً في ظل الهدوء الرهيب الذي يخيم على أروقة المبنى المهيب للدار، ولذلك استغربت حين اتصل بي الأستاذ رجاء قبل أيام من موعد اللقاء الأسبوعي ليدعوني إلى اجتماع عاجل، ويقول لي إنه يريدني أن أتوقف عن كتابة مقالات الرأي لأسبوع واحد، أعود فيه إلى كتابة التحقيقات الصحفية، وأنه سيعتمد علي وعلى بعض الزملاء في مهمة إنجاز عدد خاص من (الكواكب) يصدر خلال أسبوع بالكثير، ويخصص بأكمله للاحتفاء بسعاد حسني واستعراض أهم المحطات في مسيرتها الفنية، وأن علينا ككتّاب ومهتمين بالفنون والثقافة، ألا نكتفي بما يفعله الآخرون مشكورين بالتضامن مع سعاد ومساندتها، لأن سعاد حسني ليست في أزمة، بل الفن المصري والصحافة المصرية ومصر كلها في أزمة، حين لا تعرف قيمة سعاد حسني، ولذلك لن ينشر في العدد كله إشارة إلى ما جرى من إساءة إلى سعاد، لكنه سيكون كله احتفاءاً بفن سعاد حسني وبرحلتها التي نحتاج جميعاً إلى أن تظل ممتدة وطويلة.

تحمست للفكرة وعرضت المساهمة بعدة موضوعات، كان على رأسها حوار مع الأستاذ علي بدرخان زوجها السابق وشريكها في مرحلة فنية مهمة من حياتها أنتجت أفلاماً جميلة هي: الحب الذي كان وشفيقة ومتولي والكرنك وأهل القمة والجوع والراعي والنساء. كنت وقتها أعمل مع الأستاذ علي في قناة راديو وتلفزيون العرب "إي آر تي" التي كان مستشارها الفني والمسئول عن قسم الإخراج فيها، ومع أنني كنت أعلم من خلال أكثر من موقف سابق، أنه لا يحب الحديث أبداً عن علاقته بسعاد، لكني كنت مقتنعاً أنه سيتحمس للحديث في هذا الوقت بالذات، وهو ما حدث بالفعل. عرضت أيضاً المساهمة بموضوع عن مكتشفها عبد الرحمن الخميسي يتحدث فيه عدد من أصدقائه المقربين على رأسهم أستاذي محمود السعدني، والمساهمة بموضوع عن علاقتها بالشاعر صلاح جاهين يتحدث فيه أبرز شهود تلك العلاقة من أصدقاء صلاح وتلاميذه، وموضوع آخر عن فيلم (الدرجة الثالثة) الذي كان فشله الجماهيري واحداً من أبرز أسباب اكتئابها وابتعادها عن الساحة الفنية لفترة، وكان آخر الموضوعات التي اقترحتها موضوعاً يضم شهادات لأبرز النجوم الرجال الذين عملوا مع سعاد حسني، ليتحدثوا عن تجربة العمل معها، ويوجهوا لها رسائل تنشر عبر (الكواكب).

تحمس الأستاذ رجاء للاقتراحات التي قدمتها، وإن كان قد تشكك في إمكانية إنجازها في الوقت المحدد، وبالفعل لم أكن لأتمكن من إنجازها، لولا أنني ذهبت إلى الأستاذ لويس جريس رئيسي في قسم الإعداد بقناة الإي آر تي، وصارحته بالمهمة المطلوبة مني، لكي يعطيني بشكل ودي أجازة لعدة أيام أتمكن فيها من التفرغ لإنجاز ما اقترحته على الأستاذ رجاء، وقد وافق الكاتب الكبير على ذلك مشكوراً، بل وعرض علي استخدام هاتف مكتبه لإنجاز أي مكالمات تليفونية مطلوبة، وهو ما كنت في حاجة ماسة إليه، والحقيقة أن ذلك الأسبوع لم ينتج عنه فقط إنجاز الموضوعات التي اقترحتها، بل نتجت عنه فكرة عمل سهرة ضخمة عن الفنان العظيم صلاح جاهين، شاركت فيها على الهواء الفنانة الكبيرة سعاد حسني، وسيكون ذلك موضوع تدوينة قادمة بإذن الله.

بحمد الله تمكنت من إنجاز جميع الموضوعات التي اقترحتها، وقمت بتسليمها في الموعد المحدد، وكان الأستاذ رجاء في غاية السعادة بها، خاصة أنها تضمنت شهادات تنشر لأول مرة من فنانين وكتاب كبار ومهمين، لكنني توقعت أن يتم تأجيل بعض هذه الموضوعات لضيق المساحة، خاصة أن جميع الزملاء أنجزوا ما وعدوا به من أفكار، وأن أرشيف دار الهلال قام بإمداد الأستاذ رجاء بعدد مدهش من الصور النادرة التي تم الاحتفاظ بها لسعاد عبر سنين مشوارها الفني، وهو ما حدث بالفعل، والغريب أنه لم يتم تأجيل موضوعي عن فيلم (الدرجة الثالثة) أو عن علاقة عبد الرحمن الخميسي بسعاد كما توقعت، بل تم تأجيل الموضوع الذي يحوي نص الشهادات التي أدلى بها "فتيان الشاشة" الذين عملوا مع سعاد حسني، والذي كنت قد اخترت له عنواناً هو (أنا أحقد على هؤلاء بسبب سعاد حسني)، وبالطبع لم يكن ذلك العنوان الساذج هو سبب تأجيل الموضوع، فقد كان يمكن أن يتم تغييره بسهولة، بل كان السبب هو ضخامة حجم الموضوع، وعدم رغبة الأستاذ رجاء في اختصار الشهادات، لذلك قرر تأجيله إلى فترة لاحقة، ولأنه تصور أنني يمكن أن أغضب من ذلك التأجيل، قال لي إن العدد الذي سيصدر في 8 سبتمبر 1998 عن سعاد حسني، سيشكل سابقة في تاريخ المجلة، وهو أن يتم نشر اسم كاتب على أربعة موضوعات في عدد واحد، ولم أرد أن أفوت الفرصة لمداعبته، فأضفت قائلاً: "والسابقة الثانية هو أن هذا الكاتب سيتقاضى عن تلك الموضوعات الأربعة أجر مقال واحد لأن اللائحة لا تسمح بما هو أكثر من ذلك لمن يكتبون من خارج المجلة"، وللأسف لم ينشر الموضوع بعدها في (الكواكب) لأنني توقفت عن النشر فيها، بعد مجموعة ملابسات غريبة وطريفة تحتاج إلى تدوينة مستقلة، وبالتالي ضاع الموضوع الذي قمت بتسليمه وسط دهاليز ودواليب مجلة (الكواكب).



لكنني لحسن الحظ وجدت مؤخراً المسودات التي قمت فيها بتفريغ الشهادات التي أجريتها، والتي شارك فيها كل من الأساتذة أحمد زكي ومحمود عبد العزيز وكمال الشناوي وحسين فهمي ونور الشريف، وكنت قد حاولت إشراك الأستاذ عادل إمام في الموضوع، وقمت بالاتصال به في الموعد الذي كان قد حدده لي للاتصال به من حين لآخر، منذ أن بدأت صداقتنا قبلها بعامين، لكني وجدته شديد العصبية على غير عادته، وحين أخبرته بالموضوع الذي أريده أن يشترك فيه، استغربت حين قال لي إنه لا يفهم لماذا يشغل البعض أنفسهم بعودة سعاد حسني إلى التمثيل، إذا كانت هي نفسها قد اختارت أن تبتعد، وأن على الصحافة أن تحترم اختيارات الفنان، وأن تترك الفنان في حاله حين يبتعد، ولا تأتي بسيرته إلا فيما يخص الأعمال التي سبق له أن قدمها بالفعل، كان مبعث استغرابي أن هذا الرأي كان مختلفاً عما سبق أن قاله لي من قبل عن سعاد، التي ظل يحتفظ لها بتقدير بالغ، ويتمنى أن يعاود العمل معها من جديد، ليقدما أعمالاً مثل (المشبوه) و(حب في الزنزانة) الذين كان عادل يكن لهما محبة بالغة، مثلي ومثل غيري من جمهوره وجمهور سعاد، وبالفعل لم تنته المكالمة إلا بعد أن عرفت سر انفعال عادل إمام، الذي اتضح أنه كان غاضباً مني بسبب مقال كتبته في مجلة (الكواكب) عن الضجة التي أثارتها الصحافة الفنية حول صعود نجومية محمد هنيدي، وإمكانية تأثيرها على مكانة عادل إمام الذي احتل لسنوات طويلة المركز الأول في شباك التذاكر، وتلك قصة تستحق أن تروى في موضع آخر بشكل أكثر تفصيلاً عما ذكرته في برنامج (الموهوبون في الأرض).

تشاءمت حين اعتذر عادل إمام عن الحديث في الموضوع، لأنني كنت أعول الكثير على مشاركته، خاصة أنني كنت أتوقع أن أحمد زكي ربما يعتذر حين أطلب منه أجراء حوار معي، لأنني كنت قد نشرت قبل أسابيع حواراً معه في مجلة (صباح الخير)، وكان في ذلك الوقت لا يحب إجراء الحوارات الصحفية بكثرة، خاصة أن حواري معه الذي أجريته خلال تصويره لفيلم (أرض الخوف) حقق ردود فعل رائعة، لكنني راهنت على أنه إذا كان سيوافق على الحديث مجدداً، فسيفعل ذلك من أجل سعاد حسني بالذات، وقد كان، وبعد حواري معه كانت مهمتي أسهل في الحديث مع نور الشريف المتحدث اللبق، وحسين فهمي المتحدث العادي، ولا بأس بها في الحديث مع محمود عبد العزيز الذي كانت الحوارات الصحفية توتره وترهقه، أما المفاجأة فقد كانت حماس الفنان القدير كمال الشناوي للحديث عن سعاد حسني، برغم أنه لم يعمل كثيراً معها، لكنه تحدث عنها بحب واحترام شديدين.

ولأن في "كل تأخيرة خيرة"، أعتقد أن الخيرة في هذا التأخير الذي دام عشرين عاماً منذ أن ضل الموضوع الأصلي طريقه إلى النشر وتاه في الزحام، هو أنك ستقرأ الشهادات كما أدلى بها النجوم الذين حاورتهم، دون أن اقوم بإعادة صياغتها كما فعلت في موضوع (الكواكب) الذي لم ير طريقه للنور، ودون أن أضع في متنها أسئلتي، متعشماً أن يجعلها ذلك أقرب إليك وأكثر إمتاعاً لك، وسأبدأ بأول المتحدثين وأكثرهم استفاضة في الحديث، وهو الفنان الكبير أحمد زكي الذي بدأ شهادته عن تجربته مع سعاد حسني قائلاً:

"مع تقديري لكل المحبة اللي حصلت عليها سعاد حسني من ملايين محبيها، ما حدش ممكن يعرف قيمة سعاد إلا لو مثِّل قدّامها، التمثيل عمل جماعي، ومهما كانت براعة الممثل الفرد، مصير شغله يتوقف على الممثلين اللي بيشتغل معاهم، في ناس كنت بامثل قدامهم، تبص تلاقي نفسك ساعات للأسف بتمثل لهم وبتحس بالنيابة عنهم عشان تعرف تأدي شغلك على أكمل وجه، لكن سعاد حسني كائن مليان مشاعر وعندها قدرة مدهشة على تشكيل وتجسيد الأدوار، كنت أبص في عينيها ألاقي دايما الشخصية اللي بتمثلها مش سعاد، دايما تلاقيها في حالة معايشة، فتفجر عندك ينابيع ما تخطرش على بالك، وكنت باستمتع وأنا بامثل قدامها وأطلع من المشهد في حالة من الطيران والتحليق.

الممثل دايما جواه حد بيراقب تمثيله، فيه جزء بارد بيراقب، وجزء ساخن بيعايش الشخصية والمشهد والأفكار اللي الكاتب عايز يوصلها، الجميل في سعاد إنها بتساعد الممثل اللي قدامها، في نفس الوقت اللي هي بتعايش شخصيتها بكل خلجاتها، ممكن أقعد للصبح أكلمك عن كل مشهد عملته قدامها، لكن يمكن أول حاجة تخطر على بالي، الشغل اللي عملته في (الراعي والنساء)، شوف جمالها وهي بتقدم شخصية المرأة اللي عندها كبرياء وأحبت راجل خايفة إنه يهجرها ومش عايزة تبين له ضعفها، شوف كل هذا الخليط الممزوج من العشق والكبرياء والضعف، وهي بتقوله في تلات كلمات: "ما تمشيش يا حسن"، تلات كلمات لكن جوّاها هدير من الانفعالات يُدرّس.



طيب إيه رأيك لما ممثل لوحده في مشهد يقدم لك قصة قصيرة متكاملة، هاقولك إزاي؟ شوف سعاد في غنوة (بانوا بانوا) في فيلم (شفيقة ومتولي)، شوف هذا الوجه وهو بيوريك قصة امرأة في عالم ممزق ومتفسخ، وهي بتسخر منه وتعريه، كل ده من خلال نظرات عينيها اللي تقعد مندهش وانت بتتأملها، وتشوف إزاي الصوت بيطاوع الإحساس بشكل مدهش.

سعاد من جيل العمالقة، كان لازم نحتفل بيها حتى لو قالت كفاية، التاريخ اللي سايباه سعاد وبنشوفه كل يوم، تاريخ اتحفر في الوجدان، في مواجهة الظلم اللي بتشوفه سعاد، سلواها إنها عملت تاريخ كبير الأجيال بتكتشفه كل يوم، يعني أنا نفسي كنت طالع من تأثير هنّة زي الهِنّات اللي بيتعرض لها أي ممثل، لقيت صديق لابني هيثم عنده 14 سنة، شافني وأنا متأثر من الكلام اللي اتكتب عني في الجرايد، وبيقول لي يا أونكل كلام إيه اللي تزعل منه، شوف أفلامك عاملة إيه فينا، وقعد يكلمني عن أفلامي بشكل أدهشني، زي ما أكون كنت نسيتهم وهو اللي فكرني بيهم، عشان كده باقول لسعاد، شوفي الأجيال الجديدة والجاية هتشوفك إزاي، وسيبك من البذاءات والتفاهات، سيبك من الكلام عن نجمة الشباك ونجمة البوابة ونجمة الساعة وكل الكلام ده، يا سعاد أنتي تقدمين فناً، أنتي أثريتي حبّاً.

(بعد تنهيدة طويلة) يا سعاد ضعفك هو ضعفي وأنا حاسّك ولسه باقاوم زي ما انتي قاومتي وباعاني زي ما كنتي بتعاني، وزي ما قلتي لي في يوم: إنت توأمي في الفن وضُرّتي، (يضحك) عشان كده باقولك اوقفي على رجليكي وارجعي لنا، والأهم افرحي حتى بتاريخك وبأيامك، وإذا كنتي فقدتي بعض الأصدقاء فكثير من أصدقائك موجودين، انتي عملتي أحلى شغل في الدنيا، ولو جت لك رواية حلوة انزلي اعمليها فوراً".

.....

كان تأثر أحمد زكي قد بلغ مداه عند هذه النقطة، فاعتذر لي عن استكمال الحديث، فقررت أن أبتعد بالحديث عن المشاعر والعواطف، وأسأله عن تجربة محددة جمعته بسعاد حسني، هي تجربة فيلم (الدرجة الثالثة) من إخراج شريف عرفة وتأليف السيناريست الموهوب ماهر عواد الذي تزوجته سعاد بعدها وكان آخر أزواجها، وحين سمع أحمد زكي بفكرة موضوعي الذي يرغب في رد الاعتبار للفيلم، تحمس ثانية للحديث عن تلك التجربة وعن ذكرياته معها وكان هذا ما قاله:

"أنا مش عارف ليه البعض مصمم على تقييم الأفلام من زاوية شباك التذاكر بس، ومش قادرين يتخيلوا مدى تأثير ده على الفنان، اللي المفروض الصحافة تكون في ضهره وتسانده لما يعمل فيلم فني مختلف، وللأسف في ناس كتير في الصحافة تعاملوا مع ضعف إيرادات الدرجة التالتة، كإنه حدث قومي، وكنت باقول لسعاد انتي يا ما عملتي أفلام كسبت ويا ما منتجين كسبوا من وراكي، ويا ما دعمتي جيل كبير من شباب الفنانين، وده اللي عملتيه في الفيلم ده.

للأسف كنت منتظر من الصحافة إن ييجي حد لأدائي كممثل، ويحلل دور سرور اللي أنا عملته، ده دور مجهد جداً، واحد عايش على نيّاته في المدينة، مش في الريف حتى، إزاي تعيش على نياتك في مدينة صاخبة زي القاهرة وما تتدهسش، ده صعب جداً في فن التجسيد، وده فيلم من أخطر الأعمال اللي فيها تكنيك مخرج لشريف عرفة، اللي لأجل الحظ ما انكسرش بعد الهجوم اللي حصل له في الفيلم ده، وفيه حرفية سينمائية عالية من ماهر عواد، يعني يمكن تقول إن ده الفيلم الرمزي الوحيد بالكامل في تاريخ السينما المصرية، ده فيلم يا اخواننا مش عن الكورة، ده فيلم بيناقش علاقة الحكومة بالشعب، إزاي لما الشعب يقرر إنه يغضب على الحكومة اللي قاعدة في المقصورة، تيجي الحكومة تجيب واحد من الشعب اللي غضبان ده، عشان تبرمجه لمصلحتها، وتمتص غضب الناس.

للأسف ما حدش اتكلم عن كل ده، ما حدش ناقش أداء سعاد، وإزاي لعبت دور جديد عليها، إزاي قدمت برضه شخصية الست اللي عندها سنّة سذاجة أو خلينا نقول الست اللي على نياتها بشكل مختلف، إزاي اجتهدت إنها ما تكررش نفسها، وتلعب الشخصية بأداء كوميدي مبهج، المؤسف إن ما فيش حد من السادة في الصحافة انشغل بالفيلم نفسه، وقعد يفكر فيه، بدل ما يركز على حكاية الإيرادات، طبعا الفيلم مش سهل، أنا نفسي من صناعه، وبذلت جهد عشان أفهم الشخصية، وانبسطت بالمغزى السياسي المهم اللي فيه، طبعا أفهم إن الجمهور ممكن قطاعات منه ما تتواصلش مع الفيلم، لإنها تبقى عايزة الشكل الجاهز، يعني لما تقدم فيلم عن الكورة، يبقى تقدم كورة، وتقدم مجلس إدارة من اللي بيقروا عنه في الأخبار بتاعة الرياضة.

أنا رأيي إن الربع ساعة الأولانية اللي عملها شريف عرفة في الفيلم ياخد فيها أوسكار، يمكن اللي خوِّف الناس من الفيلم، إنهم شافوا في الدعاية إنه بيتكلم عن الكورة، والناس كانت بتتفرج كل يوم على ماتشات في الدوري، فما عندهمش وقت لإنهم يكرروا الفرجة على حاجة بيشوفوها بسهولة في التلفزيون، يمكن استخدام الرمز في موضوع زي كرة القدم كان خطأ عشان هوس الكورة في العالم كله، يعني أنا والله توقعت إن الرمز ممكن ما يوصلش للناس، وكلمت المنتج والمؤلف والمخرج وقلت لهم: الناس عند الكورة بتنسى عقلها، فلازم نديهم الدوا بس مع شوية سُكّر، يعني ممكن نعمل أغاني في الفيلم على لسان سعاد عن الكورة عشان الجمهور يستمتع بشوية بهجة من اللي بتحصل بالفعل في واقع كرة القدم، مش هنبقى بنختلق حاجة أو بنقحمها، هو ده عالم الكورة، لكن هما كانوا عايزين يقدموا الدوا زي ما هو، والناس ما اتقبلتوش.



أنا فاكر إن سعاد كانت حابّة الرواية جداً، لكن فجأة مش عارف إيه اللي حصل للفيلم، فاكر إني برضه اقترحت إن احنا نحط أهداف ومشاهد للكورة أكتر وهتافات فيها شتايم شبه هتافات جمهورة الكورة، مش هاقول نفس الهتافات طبعاً، حكم يا خول والكلام ده، (يضحك) لكن يعني ننقل روح مشجعين الكورة على الشاشة، لكن ده ما حصلش بالشكل الكافي، وما أعرفش إذا كان هيفرق مع استقبال الناس للفيلم ولا لأ. لكن أياً كان، الفيلم ما اتشافش أصلاً بالشكل الكافي، عشان نقدر نحكم على استقبال الناس ليه، وكان ممكن يبقى فيلم عدّى وخلاص، يا ما أفلام ما حققتش نجاحات تجارية، لكن استقبال الصحافة الغريب للموضوع بنبرة زي ما يكون فيها تشفي وفرحة، هو اللي سبب الأزمة، وللأسف هتلاقي ده طول الوقت، أنا حتى في أفلامي، يعني كابوريا والبيه البواب وشادر السمك والإمبراطور كسروا الدنيا، وزوجة رجل مهم والحب فوق هضبة الهرم ما نجحوش، طيب المفروض أحب مين أكتر، يعني الإمبراطور قعد عشرين أسبوع في السينما وشادر السمك السينما كانت بتتكسر فيه من كتر الزحمة، وفي نفس الأسبوع الحب فوق هضبة الهرم ما نجحش، طيب إيه دور الصحافة، مش في مسئولية تفرض حتى إن يبقى فيه احتفاء بالفن الجيد، بدل ما يتم اعتبار الإيرادات هي المقياس.

للأسف طريقة الكلام في الإيرادات، وصلت بعض المنتجين للتطاول على بعض الفنانين، وده اللي بيحصل دلوقتي لما نشوف البعض بيهاجم عادل إمام ونادية الجندي عشان الشباب اللي طالعين جديد، يعني مع احترامي عيب نقارن عادل إمام بهنيدي، لكن أنا بالوم الأستاذ عادل إمام على حتة صغيرة، إن هو بنسبة معينة اتسبب في ده، كان نفسي عادل ونادية ما يتطاولوش زمان على بعض الأفلام اللي عملتها واللي ما نجحتش تجارياً، النهارده اتردّت لهم، تصور إنها وصلت إنهم مع احترامي يعني، يبعتوا لنادية الجندي الأفلام قبل سعاد حسني، للأسف حكاية إن اللي بيجيب فلوس أكتر يبقى أحسن دي غلط، وللأسف هتلاقي نفس الحكاية حصلت مع استقبال الصحافة لفيلم زي (اضحك الصورة تطلع حلوة)، زي ما يكون في استمتاع بإننا نستغل حكاية الإيرادات لتكسير الفنانين الكبار، من غير ما نلتفت لقيمة الفيلم والفن اللي المفروض بنقدمه، عموماً أنا الحكاية بالنسبة لي هي فن، والفيلم جاب كام ولا ما جابش كام ما ليش دعوة، باستمتع لما الناس تستمتع، لكن عارف إن الفيلم دورة حياته طويلة، والحكم عليه ساعات بيحتاج وقت، في ناس كتير جداً ما اتفرجتش على فيلم (الباشا) لما نزل، مع إنهم شافوا فيلم الإمبراطور لنفس المخرج طارق العريان، النهارده لما بدأ يتعرض في الفضائيات بياخدوني بالحضن ويشكروا لي فيه، مستر كاراتيه ما نجحش بالشكل اللي كنت متوقعه، قابلت واحد عايش في المهجر أقسم لي إنه شافه 46 مرة في الكذا سنة اللي فاتوا، وياما أفلام زي ما قلت لك بيبقى رد فعلها مختلف تماما لما تتعرض في الفضائيات وفي الفيديو، وعندي أمل إن ده يحصل مع فيلم الدرجة التالتة".

.....

نكمل في الغد بإذن الله شهادة الفنان أحمد زكي، والتي سيتحدث فيها عن علاقة سعاد حسني بصلاح جاهين كما شهد عليها، ثم نواصل بعدها قراءة شهادات كمال الشناوي ومحمود عبد العزيز وحسين فهمي ونور الشريف عن سعاد حسني.
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.