يوميات مغترب في الخليج

يوميات مغترب في الخليج

16 ديسمبر 2018
+ الخط -
في الصباح، يقفز من النوم مبكراً، ربما مع موعد صلاة الفجر، حتى يجهز نفسه ليوم جديد من العمل الشاق، فتأخره عن مواعيد العمل مرات عدة كفيل بإعطاء رؤسائه في العمل انطباعا سلبيا شديدا عنه، وبالتالي الاقتطاع من راتبه، وربما طرده من عمله وفقدان وظيفته التي حصل عليها في الغربة بعد عناء، وذلك عند أول تقييم له، عقب أداء صلاة الصبح يسابق الزمن لإنجاز المهام الروتينية الكثيرة المطلوبة منه، بما فيها تناول الإفطار واحتساء كوب من الشاي الدافئ وارتداء ملابسه.

ولأن الوقت ضاغط جداً، يختصر المغترب الذي يعمل منذ سنوات في إحدى دول الخليج كل شيء، يستحم في دقائق معدودة، لا وقت لديه لرفاهية الغناء في الحمام وسماع صوته الأجش، يرتدي ملابسه في دقيقة، يجري إلى الثلاجة لتناول أقرب ما تقع يده عليه من طعام، ربما يجد بضع دقائق ويعدّ إفطارا خفيفا، أو يجهز ساندويتشات يتناولها وهو يقود السيارة في طريقه للعمل.

وبسبب السرعة ينسى أحيانا وهو خارج للعمل غلق باب الثلاجة والميكروويف عقب استخدامهما، وربما ينسى معهما التلفزيون والسخان الكهربائي، ببساطة، أي جهاز كهربائي قد يتركه في وضع التشغيل وهو يهم بمغادرة الشقة السكنية التي يقيم بها بسبب السرعة وعدم التركيز، بل قد ينسى إغلاق باب الشقة نفسها، من وجهة نظره لا يهم إغلاق كل شيء، المهم هو ألا يتأخر عن العمل، أيضا الدنيا أمان، فلا داعي لقلق التعرض لسرقة شقته وهو في الخارج.


يأخذ كيس الزبالة في يديه اليمنى وهو يغادر شقته حتى يلقيه في إحدى سلات المهملات، تأكل قدميه سلالم العمارة التي يقطنها إذا تأخر وصول المصعد ولو لثوان، فالانتظار يسبب له التوتر الشديد، فأي شيء فيه انتظار ووقت ضائع يعني أن الزمن عنده يتوقف.

يتوجه إلى أقرب سلة مهملات، وبدلاً من أن يلقي كيس الزبالة الذي يمسكه بيده اليمنى جيداً في السلة يلقي بالموبايل والمفاتيح التي يمسكها بيده اليسري.

بعدها يتجه مسرعا نحو السيارة، وبحركة لا أرادية يضغط بيده اليمنى حتى يفتح السيارة الأوتوماتيك التي اشتراها بقرض من البنك، ظنا منه أن مفتاح السيارة بيده، باب السيارة لا يفتح، وبسرعة يخشى من أن تكون البطارية "عملتها" معه ونامت.

ثوان تمر بطيئة، يبحث عن التليفون المحمول للاتصال بالميكانيكي فلا يجده في يده، ويكتشف أن مفتاح السيارة ليس بحوزته أيضا، يضرب على مقدمة رأسه بكلتا يديه لعله يتأكد أنه لا يزال نائما.

بسرعة يبحث عن المفتاح، لقد نسيه، يسرع عائدا للشقة لعله في جيب البنطلون الذي كان يرتديه أمس، يفاجئ بأن باب الشقة غير مغلق بالمفتاح، يدلف بسرعة متجها نحو الصالة ليجد أن شاشة التلفزيون مضاءة، وأن الثلاجة تصدر أصواتا تؤكد أنها مفتوحة.

فجأة يكتشف أن كيس الزبالة لا يزال في يده اليمنى، يالله، أنا ألقيت بالموبايل والمفاتيح في سلة المهملات العمومية بدلا من الزبالة.

يسرع عائدا إلى الشارع حيث السلة، وقبل أن يلقي بما في يديه من زبالة يتناول المفاتيح والتليفون المحمول، يسرع مرة أخرى نحو السيارة، يضع المفتاح في مكانه، الموتور يعمل، الحمد لله، يضغط بقدمه على دواسة البنزين، يلحظ أنه لا يرتدي حذاء الخروج، بل يرتدي "شبشب" الحمام، يضرب بكفيه مرة أخرى على مقدمة رأسه، قلبه يكاد يتوقف، ماذا يحدث بالضبط، هل أغضبت أو ظلمت أحداً فدعا عليّ صباح هذا اليوم.

ينظر إلى ساعة السيارة فيجد أنها تشير إلى السادسة إلا خمس دقائق، يغادر السيارة متجها للشقة للمرة الثالثة ليستبدل ما في قدميه، يقفز على السلالم ذهابا ثم إيابا، لا يأخذ سوى ثلاث دقائق في هذا المشوار، فهو يسكن في الطابق الثاني.

يعود للسيارة، أخيرا عجلات القيادة تتحرك، الساعة تشير إلى السادسة صباحاً، لم يبق على موعد الاجتماع اليومي سوى نصف ساعة، لا يهم، الوقت كاف، فالموقع الذي يعمل فيه لا يبعد عن مقر السكن سوى 10 كيلومترات، وهناك انسياب في حركة المرور.

يده تمتد لمذياع السيارة حتى يعرف أخبار الصباح، في نصف المسافة الواقعة بين يديه والمذياع، تحول يده اليمني الاتجاه نحو الساندويتشات الموجودة على الكرسي الذي يقع بجانبه، سأتناول ساندويتش أولا، يده تعود مرة أخرى إلى مذياع السيارة، يفتح الراديو ثم يغلقه بسرعة.

هناك ما هو أهم من معرفة الأخبار السياسية أو حتى أخبار الطقس فأنا ألمسه حاليا، الأهم جدول أعمال الاجتماع الصباحي، تروس العقل بدأت تعمل وبسرعة، يدخل في "مود" الشغل، ما الذي سأطرحه من أفكار في اجتماع اليوم، خاصة أنه يجمع كبار المهندسين والتنفيذيين في الشركة، هل أنجزت كل ما هو مطلوب مني أمس، سيسألونني عن آخر موقف يتعلق بالمشروع الذي أشرف عليه.

يصل إلى مقر العمل، بسرعة يفتح جهاز الكمبيوتر، يجد كومة من الإيميلات والرسائل التي يجب الرد عليها وحسمها بسرعة، يدخل "مود" الشغل بسرعة، تسع ساعات من العمل المتواصل يتخللها تناول وجبة خفيفة، يعود مساء إلى المنزل الذي يقطن فيه، يتناول الغذاء الذي يجهزه بنفسه توفيرا للنفقات، وأحيانا يطلب ديليفري في حال إذا ما كان اليوم مشحونا، يفتح التلفزيون، يشاهد مقطعا من فيلم أبيض وأسود، أو يسمع أغنية قديمة، بسرعة تقع عينيه على الساعة الموجودة أمامه في الصالة، إنها العاشرة مساء، حان موعد النوم، بسرعة يتجه نحو السرير حتى ينام ليستيقظ مبكرا استعدادا ليوم جديد يبدأ قبل شروق الشمس.

دلالات

مصطفى عبد السلام
مصطفى عبد السلام
صحافي مصري، مسؤول قسم الاقتصاد في موقع وصحيفة "العربي الجديد".