الإعلام في عصر التواصل الاجتماعي

الإعلام في عصر التواصل الاجتماعي

10 ديسمبر 2018
+ الخط -
يحظى الإعلام بمكانة مهمة جدًا في المجتمعات، فهو وسيط بين النّاس ومحيطهم، ومشارك في تكوين وعيهم، ومساهم في توضيح المفاهيم والإشكاليات المؤثّرة في حياتهم، كما جعل الأخبار قريبة منهم على مدار الوقت، ووفّر لهم معلومات عن مختلف مجالات اهتمامهم، سواء في السياسة أو الاجتماع أو الترفيه أو الرياضة أو الاقتصاد، باستخدام عدد من الوسائل لنقل الأخبار العاجلة والمستجدة فور حدوثها، فأصبح الإعلام بكافة مكوّناته جزءًا لا يتجزأ من حياة النّاس.

وواكبت نهضة الإعلام مجموعة مراحل بدأت من الصحافة الورقية مرورًا بالمذياع والتلفاز، ثم الصحافة الإلكترونية بواسطة الإنترنت، وأرى ألا مرحلة أخيرة سيصل لها نهوض الإعلام، بل سوف يستمر بالتطوّر إلى ما لا نهاية، ويؤكّد ذلك على تفاعله مع كافة الابتكارات والمظاهر الحديثة، وأكثرها أهمية الإنترنت وأدواتها؛ من خلال توظيفها في نقل الخبر من مصدره، ونشره على أكبر نطاق ممكن، ليكون في متناول الكثير من الأشخاص، وهكذا برهن الإعلام على قابليته للنمو المستمر، والتأقلم مع جميع التطوّرات بغض النظر عن طبيعتها أو نوعيتها.


شاركت مواقع التواصل الاجتماعي منذ ظهورها وانتشارها السريع بين الناس في عدد من الأحداث، كما لها مشاركة مؤثّرة في الإعلام، بصفتها تمتلك جميع المقومات المساندة لعملية توصيل الأخبار إلى الناس خلال دقائق معدودة، فيمكن القول إن عصر التواصل الاجتماعي صار جزءًا من الإعلام، وبات الكثير من مستخدمي مواقع وتطبيقات التواصل يفضلون استخدامها لمعرفة آخر الأحداث المحلية في بلدانهم والعالمية في دول العالم، وصار بإمكانهم اختيار طبيعة الأخبار التي يريدون الحصول عليها، بما يتناسب مع رغباتهم وميولهم الفكرية، وأصبحت متابعة الصفحات الاجتماعية التابعة للصحف، والمجلات، والمواقع الإخبارية الإلكترونية، ووكالات الأنباء متاحةً أمامهم في أي وقت وأي مكان.

لم يكن نجاح مواقع التواصل الاجتماعي في عالم الإعلام وليد الصدفة، بل ارتكز على عددٍ من الدعائم، لعلّ من أهمها توفير هذه المواقع مجموعة من الخيارات والأدوات التي أتاحت الفرصة أمام النّاس للمشاركة في صناعة ونقل الأخبار، ليظهر مفهوم المواطن الصحافي الذي يصنع الخبر المكتوب أو المسموع أو المرئي، ثم ينشره بواسطة مواقع التواصل الاجتماعي التي وظّفت كافة إمكاناتها لدعم إنشاء وتحرير الأخبار بمختلف أنواعها، وتزامن ذلك مع انطلاق تطبيقات التواصل الاجتماعي عبر الهواتف الذكية، فصار من الممكن إنشاء الأخبار ومشاركتها مع أكبر عدد من الأشخاص، وأيضًا صار من السهل تسجيل الأحداث، أو تصويرها ونقلها مباشرة بالصوت والصورة من مواقع حدوثها، فابتكر التواصل الاجتماعي وسائل إعلامية عصرية.

تمكّن التواصل الاجتماعي من النجاح في حجز مكان أساسي له في عالم الإعلام، إلا أنه يعاني من سلبيات لا بدّ من الإضاءة عليها، كغياب المصداقية عن بعض الأخبار المتداولة والمنشورة عبر الصفحات الاجتماعية مجهولة المصدر والهوية، والتي تدعي ممارسة العمل الإعلامي، لتحوّل الإعلام إلى وسيلة تسويقية لا غير. كما تفتقر صفحات التواصل الاجتماعي غير التابعة لأي مؤسسة إعلامية إلى المسؤولية الصحافية؛ بمعنى أنها لا تمتلك المقومات اللازمة لصناعة ونشر الخبر الصحافي، فتنشر أخبارا غير واقعية وملفقة ودون مصادر تؤكّد صحتها، وغالبًا مؤسسو هذه الصفحات لا ينتمون إلى الإعلاميين أو الصحافيين، بل هم أشخاص يبحثون عن التسلية أو الشهرة.

ممّا لا شكّ فيه استطاع التواصل الاجتماعي ووسائله وتطبيقاته توفير نمط إعلامي مستحدث، شارك في تقريب المسافات بين مؤسسات الإعلام من جهة والجمهور من جهة أخرى، وأتاح توفير كم هائل من المقالات والنصوص والأخبار عبر شبكة الإنترنت، والتي يمكن الاطلاع عليها باستخدام القليل من النقرات على الحاسوب أو الهاتف المحمول، لتصبح جميعها في متناول أيدي القرّاء والباحثين؛ لذلك ينبغي على المؤسسات الإعلامية تحقيق أقصى فائدة من وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن من خلال تأطير التعامل معها ضمن إطار يحدّ من سلبياتها ويساهم في الاستفادة من إيجابياتها، بما يخدم الإعلام ويدعم وصول رسالته إلى جميع النّاس.