الثنائي الكوميدي يرقصان "سْلُو"

الثنائي الكوميدي يرقصان "سْلُو"

09 نوفمبر 2018
+ الخط -

لا أستطيع أن أتخيل كيف عاش العم قاسم والخالة فريدة الملقبان (الثنائي الكوميدي) ما يقارب خمسين سنة مع بعضهما، دون أولاد.. كل ما أعرفه أنهما تمكنا، بالدعابة والمزاح، من مواجهة واقعهما الهادئ الذي يمكن أن يكون صعباً ورتيباً ومملاً.

من الحكايات التي يتناقلها أهالي البلدة عنهما، أن العم قاسم، وهو في سن الستين، أصيب بمرض له علاقة بـ المجاري البولية، فاصطحبته الخالة فريدة إلى طبيب البلدة، وهو طبيب عام غير متخصص، وبعد أنا عاينه، كتب له وصفة (reçete)، ذهبا إلى الصيدلية واشتريا الأدوية المكتوبة فيها، واكتشفا أن محتوياتها كثيرة جداً؛ فهي تتألف من علب كبيرة مكتظة بالحبوب، وقناني صغيرة فيها سوائل ملونة، وذُرُور، وإبر (سيرنكات)، وقطن طبي، ومعقمات، وعندما رجعا إلى البيت أخرجت فريدة العلب والقناني وصففتها على الطاولة، وصفرت بفمها صفرة طويلة، وقالت له وهي تتصنعُ التأثر، وتحاول تمثيل الإجهاش بالبكاء:

- يا ساتر. كل هذه الأدوية؟! واضح يا زوجي العزيز أن مشكلتك كبيرة ومعقدة.. إهي إهي إهي..

ضحك قاسم وقال لها: 

- نعم، يا حبيبتي، ورفيقة دربي المحترمة فريدة، مشكلتي كبيرة، والله أعلم أن المنية دنت.. (وحاول أن يقلد الأمير فيصل حينما تلقى خبر دخول الجنرال غورو إلى دمشق) فصاح: طاب الموت يا عرب!

ضحكت فريدة، فعاد هو يتصنع الجد، وقال:

- الحقيقة، يا فريدتي، أن الدكتور لم يقل لي صراحة إنني سوف أتوكل (أموت)، ولكنني كنت أراقب يده وهو يكتب الدواء.. الدكتور المسكين، من شدة زعله عليَّ، صار يكتب بسرعة، ولاحظت أن يده فيها رجفة خفيفة، وكان يكتب اسم الدواء وينظر إلى وجهي، ووقتها كانت تغيم عيناه، وترتجف شفتاه، ويقول في نفسه: ضيعانَك يا حاج قاسم. والله أنك ابن حلال، وستكون وفاتك خسارة لمدينتنا الجميلة.

قالت فريدة: هذا الحكي، يا قاسم، لا يقدم ولا يؤخر، فعندما ستتوكل (تموت) كل أهل البلدة سيقولون: الله يرحمه، رجل طيب، آدمي، حباب، شريف، محترم.. ثم يعود كل منهم إلى عمله، ولا كأنك كنت تعيش بينهم منذ ستين سنة.. وحتى أنا، يمكن أن أزعل عليك بضعة أيام، وحينما أخرج من المنزل أرتدي الملحفة الخراطة السوداء، لأنه لا يجوز لامرأة فقدت زوجها أن ترتدي الأبيض والمزركش، وفي البيت لازم أقمط رأسي بقطعة الشاش البيضاء، وأنتظر حتى تأتي النساء لتعزيتي، وأبدأ بتأليف الأكاذيب، وأجعلك أنت بطلها، فأنجح في استثارة عواطفهن، فيترحمن عليك، ويشربن القهوة، ويأكلن لقمة الخلاص وتذهب كل واحدة منا في حال سبيلها.

قال قاسم: قلت إنك ستؤلفين عني بعض الأكاذيب، مثل ماذا؟

قالت: لا توجد لدي كذبات جاهزات الآن.. ولكن، بما أنك ستتوكل قريباً، ما رأيك أن نجهز الأكاذيب أنا وأنت منذ الآن؟

قال: والله فكرة. 

وفكر قليلاً ثم قال: قولي للنساء، خلال المأتم، إن قاسم كان معه مصاري كثيرة، يخبئها في صفيحة تنكية تحت الأرض، وفي كل سنة، مع بداية الصيف، كان يأخذ كمشة من المال، ويأخذني إلى أوروبا حيث نمضي إجازة سعيدة، وننزل في أفخم الفنادق، ونأكل أطيب المأكولات الغربية، وذات مرة، كنا متأكدين أنه لا يوجد من يراقبنا، فنزلنا إلى الديسكو..

قالت فريدة: والله إنها كذبة ظريفة، ولكن لحظة.. أشو هادا الدسكو؟

قال: هادا مَرقص أوربي.. بينزلوا عليه الصبايا والشباب وبيباشروا الرقص والخلع.. وبالأخير بيرقصوا (سلو)..

قالت فريدة: يا لطيف كم أنا بهيمة.. كمان في شي اسمه سلو؟ واشو هاد بلا ظغرة.

قال: هادا رَقْص ولَزْق.

قالت: الرقص فهمناها. بس شلون يعني لزق؟

قال: الرجال والحرمة بيلزقوا ببعضن وبيرقصوا.

قالت: إذا هيك بلاها. أنت من دون ما حدا يلزق فيك لما بتمشي بتتفشكل وبتوقع. إذا لزقت فيني بتوقع وبتوقعني فوقك. 

وضحكا طويلاً. وفي آخر الضحكة قالت فريدة: قوم نعمل تجربة سلو. بركي بيروح هَـ المرض وبلا كل هالأدوية.

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...