الصداقة... وألوانها المزيفة!

الصداقة... وألوانها المزيفة!

28 نوفمبر 2018
+ الخط -
أقف للحظة ما، وأعود بالذاكرة إلى الوراء قليلاً، علّها ترصد وبصدق، واقع الحياة التي سبق أن عشناها، وعلى مرّ السنوات الماضية، وإن كانت فيما ترصد من ألوان متعدّدة لكثير من العلاقات الصادمة التي كان يُشار لها بالبنان على أنها علاقات صادقة وروابط متينة، فيها من الألفة والمحبّة والوداعة ما يكفيها لننسج حولها الكثير من الحكايات والقصص التي تُداعب أفكارنا ومخيلتنا.

إنَّ مجمل العلاقات التي تشكل رابطاً أحادياً بين شخص وآخر، وإن كانت العلاقة لم تتجاوز الفترة الزمنية المبعدة التي يمكن أن تكون متزامنة أصلاً مع عدد من الصداقات التي يمكن أن تعد سابقة لأوانها، لا سيما أن أمثال هذه الصداقات الهامشية مبنية على المصلحة المتبادلة، وهذا ما يعني أنها زائلة تماماً، وفي حال أنّ هذه العلاقة اتسمت بالصدق، والوجدانية ومحاكاة الضمير الإنساني الصادق، ومرسومة بطريقة عفوية وصادقة، وإن كان أمثالها نادر الوجود في الحياة في الفترة الحالية، لأنها تحول مجمل هذه العلاقات، وللأسف، الى علاقات هشّة تخلو من الصدق في صوره الجميلة، مبطنة بالزيف، والكذب، والحيل، ومبنية على الخداع، وهذا ما يجعل الكثير من أمثال هذه الصداقات عنوانها الفشل، وفيها من أحابيل الكذب ما يجرّدها من عفويتها وصدقها، بدليل المواقف الخجولة التي صاحبتها، وهذا ما نلحظه اليوم، وبكثرة!

إنَّ مشكلة الصداقة التي نتغنّى ونبتهج بأواصرها ترمي إلى العديد من المآخذ، وفي مجملها، وفيها ألوان من الخداع ومشتقاته ما يكفي. فكيف يمكن أن نرسم لقوام علاقة صادقة، تخلو من الكذب المبني على الحب والوفاء وتبادل الأفكار، ورسم الطريق الصحيحة، وبود حقيقي، مادام أنَّ هذه الصورة اليوم صارت مزيفة!


وهناك الكثير من الأصدقاء الذين لمسنا يوماً في علاقتنا معهم الأمان والود، وها هم اليوم يلتفتون إلى الوراء ويعيدون حسابات أمثال هذه العلاقات التي أصبحت شبه منسية تعلوها المصلحة بصورتها الفجّة المقزّزة، ولم يعد يهم أمثال هؤلاء الأصدقاء أية علاقة أخرى، أو أقلّها العودة إلى أيام الصداقات التي دحرجها الزمن ووضعها على الرفّ، لا جديد يتضمنها أو يُحرك فيها بعض الودّ الذي سبق وأن ترجمها فيما سبق إلى لون من ألوان المحبّة.. وطرّزها بشعارات وعبارات فيها الكثير من الصدق. فأين نحن اليوم من هذا كله؟

إنَّ موت العلاقة واندثارها، والبحث في ترسباتها، أعطاها بعداً آخر أكثر تمايزاً، بل دفع بها إلى حصد ما جسّده الواقع الذي أنهكته أمثال هذه الخزعبلات الفاسدة. نعم الفاسدة، لأنها أضحت مُعْنِدة، يشوبها الكذب في صوره العريضة، وهذا في مجملها، وتظل هناك علاقات استثنائية محدودة جداً ما زالت تحافظ على مكانتها، وفي هذا نقول:

ماذا يمكن أن نستفيد من جذور هذه الصداقات ككل، والعلاقات التي أظهرت في طابعها صور سخيفة، مبتذلة، مظللة، حاقدة ومبتورة، حتى أنها كشفت الكثير من العلاقات غير المستحبة، والمزيفة. وهناك بعض العلاقات ظلت في جوهرها مبنية على الوفاء، وهو سيدها.

هكذا كانت الصداقة، في مبناها، فكيف تحولت في الوقت الحاضر إلى مجرد اسم كبير يخلو من مُسمّاها، ألا وهو الصدق!

نعم، إنَّ الصداقة اليوم لم تعد كما كانت عليه من ذي قبل، فقد تحولت إلى كذبة كبيرة، ولم تعد تجسّد ذلك العطاء الذي كان يُقبل عليه الجميع، برغبة عفوية صادقة، ولم يكن من بد من إبراء الود والاحترام لها، وهذا ما يعني أنها صارت مجرد كلمة جوفاء لا قيمة لها، يتداولها الناس فيما بينهم لمجرد العلاقة، وتحولها إلى جبلّة سوداوية كبيرة ما جعل منها أكذوبة، بكل ما تعني الكلمة من معنى، ولم تعد تلبي حاجات الأصدقاء لأنها أصبحت مجرد اسم بلا ظل، طمست معالمها!

إنَّ مجمل ألوان الصداقة، ما هي سوى مصالح مرسومة بتقنية فضفاضة، ومُحيت صورها، وأزيلت مع ما هو معمول عليه اليوم من علاقات زائفة مع دول بعينها، ما أن تظهر للعلن ثم تعود لتختفي بعيداً عن العين التي لطالما احتفت بها، وجعلت منها سيّدة زمانها، إلا أنَّ الطرف الآخر هو من أظهرها على غير حقيقتها، ما يعني ذبولها وإعلان موتها، وهذا ما أعاد بهذه العلاقة التي كانت في يوم ما تسمو على السطح، ويحترمها الآخرون، وتثير فينا منبع من الحنان والطيب، وحوار مع الذات، قوامها الرابطة المبنية على الحب والوفاء المتبادلين، إلى كونها رابطة باهتة تخلو من كل صور الود والاحترام، وأخرى كئيبة ومؤسية!
6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.