وكان الأوّل على دفعته

وكان الأوّل على دفعته

24 نوفمبر 2018
+ الخط -

في الجامعات السوريَّة، يوجد شيءٌ اسمه "معسكر التدريب الجامعي"، إذْ يُلزَم كل طالبٍ جامعي بأن يخدم في هذا المعسكر، وأن يقضي تجربة لمدّة أسبوعين مع "الجيش العربي السوري". ولا يتخرّج الطالب من الجامعة، ولا ينال شهادته الجامعية، إذا لم يخدم هذا المعسكر. في جامعات دمشق، يخدم الطلاب في منطقة عسكرية اسمها "الديماس" قسم "مدرسة تعليم قيادة المركبات"، معسكرهم الجامعي. المعسكر هو في فصل الصيف. وبعد حوالي أسبوع، تسمرّ وجوه كل الشباب، بسبب الدروس العسكرية عن النظام المنظم والزلازل والتخفي عن العدو باستخدام الطبيعة واستخدام بارودة الكلاشينكوف. في كلّ معسكر، يوجد درس عن حياة القائد الخالد حافظ الأسد، إذْ يأتي عضو من القيادة القطرية لحزب البعث (وغالبًا ما تكون الرفيقة، شاهيناز فاكوش، في معسكرات دمشق)، ويلقي على الطلاب تحت الشمس، لمدّة ساعتين، درسًا عن حياة هذا الإنسان.

المهم، كانت شاهيناز فاكوش تلقي درسًا عن حياة حافظ الأسد، وبدأت المحاضرة بأنّه دخل الابتدائية، وكان الأوّل على دفعته في الصف الأول الابتدائي، ثم تم "قذفه" من الصف الأوّل إلى الصف الثالث، لأنّ الأساتذة وجدوه ثقباً زمنياً أسود، وكان الأوّل على دفعته. ثم دخل المدرسة الإعدادية وكان الأول على دفعته، ثم الثانوية وكان الأول على دفعته، ثم انضم إلى سلاح الجوي، وخضع لدورة تدريب عسكرية، وكان الأول على دفعته، ثم مات عام 2000، فخرج صوت من بين 2000 طالب يقول: "وكان الأول على دفعته". لحظة سماع هذه الجملة، اندلعت ضحكة صامتة. حوالي 2000 طالب، يضحكون بصمت، والضحكة الصامتة تخرج صوتاً غريباً هو صوت تخرّش الحنجرة بسبب الكبت. دموع 2000 طالب تنزل على خدودهم، ولا أحد يستطيع أن يضحك بصوت عالٍ، أو أن يوقف تدفّق الضحكة الداخلية الصامتة. تمازج هذه الضحكات الصامتة لـ 2000 شخص، شكّل همهمة عامة وصوتاً مسموعاً. اقترب الضابط من الجموع، وبدأ يحدق في الوجوه كي يحدد هوية صاحب الجملة. ولكن، كيف ستعرف من هو هذا الشخص من بين 2000 شابٍ، صاروا يشبهون بعضهم البعض ببدلاتهم العسكرية ووجوههم المسمرة. قال الضابط: "مين الأخو الش... يلي قال.. وكان الأوّل". لم يكمل الضابط الجملة، فتعمّقت الضحكة.

خاف الضابط بقوله للجملة أن يصير هو صاحبها.

 

دلالات

دارا عبدالله
دارا عبدالله
كاتب سوري يقيم في العاصمة الألمانيّة برلين، من مواليد مدينة القامشلي عام 1990. له كتابان: "الوحدة تدلل ضحاياها" (صادر عام 2013) و"إكثار القليل" (صادر عام 2015). يدرس في كليّة الفلسفة والدراسات الثقافيّة في جامعة "هومبولدت" في برلين. من أسرة "العربي الجديد" ومحرّر في قسمي المدوّنات والمنوّعات. يمكن التواصل مع الكاتب عبر الحسابات التالية:

مدونات أخرى