ويستمر النزوح العراقي… هنيئاً لمن لم يذق طعماً له

ويستمر النزوح العراقي… هنيئاً لمن لم يذق طعماً له

23 نوفمبر 2018
+ الخط -

لا تزال العائلات العراقية في مخيمات النزوح تصارع الظروف منتظرةً مصيرها المجهول، وأملاً حل مشاكلهم وتوفير متطلباتهم الأساسية؛ من خدمات وصحة وتعليم وبيئة مناسبة، في مناطقهم التي هُجروا منها قسراً إبّان سيطرة تنظيم "داعش" عليها في السنوات الماضية، إلا أن هنالك عجزاً كبيراً وعدم اهتمام في إعادة هذه العائلات لمناطقها، التي تمت استعادتها بالكامل من سيطرة التنظيم.

كما تزايدت معاناتهم في مخيمات النزوح، بسبب الظروف والأوضاع المتدهورة التي يعيشونها، إذ يفتقرون لأبسط مقومات الحياة، دون وجود أي اهتمام من الحكومة، أو حراك ضد ما تقوم به المليشيات من رفض لعودة هذه العائلات، كما يحدث في منطقة "جرف الصخر" ومعظم المناطق الأخرى.

الظروف الجوية الصعبة في فصل الشتاء، ومع انخفاض درجات الحرارة والأمطار الغزيرة التي أهلكت الخيام، ليتضرر بسببها العديد من الأطفال وكبار السن الذين يقطنون تلك الخيام البسيطة، وتعجز الحكومة عن تقديم المساعدات اللازمة وتوفير حاجاتهم المهمة، لانشغالها في مصالحها وصراعاتها السياسية، وهدرها لأموال الشعب الذي يعاني الجوع والحرمان.

وقفت كل تلك المعوقات أمام عودة "أبو حارث"، الرجل السبعيني الذي أخذ منه النزوح ما أخذ، يجر أنفاس الحسرة والقهر مع كل مضغة سيجارة، وهو ينظر إلى أحفاده وكأنه يقول لهم لا مستقبل أمامكم، فحياتكم ربما تكون هنا في هذا المخيم.

يتحدث العم أبو حارث قائلاً: "لقد تمت استعادة السيطرة على مناطقنا وهي الآن مُحررة منذ عدة أشهر، وما حياتنا في هذا المخيم إلا كمن يعيش في مقبرة للأحياء حيث لا تتوفر فيه مقومات الحياة".

فكل من ينظر إلى المارّة من النازحين داخل مخيم الـ18 كم غربي الرمادي، يجد أن اليأس خيّم على وجوههم وقلوبهم، وهم يترقبون رحمة من الله أو عطفاً من إنسان ربما بمعجزةٍ ينتشلهم من كل تلك المعاناة.

يتحدث العم أبو حارث، الذي فقد ابنيه بعدما قام عناصر التنظيم بقتلهم بتهمة التخابر مع القوات الأمنية العراقية، عن حياته في المخيم وظروف عائلته المكونة من 13 فرداً بينهم نساء وأطفال، إذ لا توجد مدرسة يمكن أن تعمل بمهنية لتعليم الأطفال المنهج العلمي الصحيح، ولا حتى مركز طبي ليعالج سكان المخيم الذين قد يتعرضون للوباء في أي وقت، بسبب غياب الخدمات الصحية والوقائية.

ويضيف أن الحرب دمرت مساكنهم والبنى التحتية الأساسية، فلا خدمات ولا كهرباء ولا صحة ولا تعليم ولا أي شيء. وعلى الرغم من ذلك يتمنى العودة في أسرع وقت، على الرغم من أنه خسر كل شيء في قريته، إذ تعرض منزله للحرق والنهب، وقتلت المواشي التي كان يعتاش عليها، وأتلف بستانهم الصغير بسبب شح المياه وعدم تمكنه من الاهتمام به، فلم يعد يملك شيئاً غير الخيمة الصغيرة التي يسكنها هو وعائلته.

مستغرباً عدم السماح لهم بالعودة، شدد أنه وعائلته مستعدون للعيش على حطام منازلهم بدل أن يكون سجيناً في هذا المخيم، الذي لا يستطيع مغادرته إلا بموافقة أمنية بحسب قوله.

ويمثل العم أبو حارث، نموذجاً لعشرات الآلاف من النازحين العراقيين الذين لا يزالون يقطنون خياماً متهالكة، ويعيشون على أمل العودة وأمنيات العيش بسلام، لعدم السماح لهم بالعودة إلى ديارهم، لأسباب لا قيمةَ لها، ويمكن للحكومة حلّها في أسرع وقت، إلا أنها تعجز أو تريد بقاء الحال على ما هو عليه.

وفي ذات السياق، نشرت دراسة للمنظمة الدولية للهجرة دراسة، حددت فيها أسباب استمرار النازحين العراقيين في نزوحهم، وبينت المنظمة في دراستها أنهم قرابة 1.87 مليون شخص. ومعظم هؤلاء النازحين قرروا البقاء حيثما يقيمون الآن على مدى الاثني عشر شهراً المقبلة.
وهذا ما يوصف بالنزوح الطويل الأمد، ويعتبر من أصعب حالات النزوح، ولا يستطيع فيه النازحون الحد من حالة البؤس والضعف والفقر والتهميش الناجمة عن ذلك النزوح.

وبهذا الصدد قال جيرارد وايت، رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة في العراق: "أن البقاء في حالة النزوح على المدى الطويل بينما حالة الطوارئ لم تعد موجودة، بالفترات الطويلة من الاغتراب والحنين للمنطقة الأصل، يشكل تحدياً كبيراً للنازحين وعائلاتهم".

وأضاف، أن العثور على حلول دائمة للنزوح هو عملية طويلة الأجل تتطلب تعاوناً وثيقاً بين الحكومة والعاملين في المجال الإنساني، ويشمل هذا الدعم مساعدة النازحين داخلياً على تحسين قدراتهم على التكيف والاعتماد على الذات، بالإضافة إلى تسهيل الأوضاع البيئية لاستيعاب النازحين والعائدين في المجتمعات المضيفة.

بعد الحرب، واستمرار مخلفات الحرب وتبعاتها، لم يتوقف الأمر على ذلك فحسب، فضعف القانون وغياب الأمن وعدم استقرار الوضع السياسي وتدهور الاقتصاد، كل تلك الأسباب عززت من تزايد اليأس والخوف من مستقبلٍ مجهول يفكر فيه كل من ذاق مرارة النزوح ومأساتها، ولا يزال يعيش تحت آلامها ومعاناتها، متمنياً العودة بكرامة إلى منزله مهما كان مصيره.