أخذ الثأر من البعثيين

أخذ الثأر من البعثيين

19 نوفمبر 2018
+ الخط -
مضى أسبوع على عودة الثنائي الكوميدي قاسم وفريدة من إدلب إلى البلدة، وكان قاسم قد داوم على استخدام الدواء الذي وصفه له الطبيبُ الإدلبي، بانتظام، وتحسنت حالتُه الصحية، وكذلك حالتُه النفسية.. وبينما كانا يحتسيان الشاي تحت شجرة الزيتون الوارفة القريبة من باب الدار، إذ قالت فريدة، بلهجة الدعابة المبطنة:

- حبيبي قاسم، يا ترى ما هو سبب إصابتك بهذا المرض؟ هل تعتقد أن أحداً من الناس الحاسدين أصابك بالعين؟!
قال قاسم بثقة مضحكة: طبعاً طبعاً، لا شك. الحقيقة يا ست فريدة أن المزايا الرفيعة التي أتمتع بها، أنا محسوبك، وتجعل الآخرين يصيبونني بالعين، أكثر من أن تُعَدّ أو تحصى، فأنا لدي فائض من الذكاء الخارق يكاد أن يطوف من رأسي و(يتكبكب) على الأرض، و..
قاطعته فريدة قائلة: لا، دخيلك. خل ذكاءك في راسك، وسَكِّر عليه بإحكام.

وتابعت تقول بشيء من التهويل: حبيبي قاسم؛ هل تعرف ماذا سيحصل إذا انسفح ذكاؤك على الأرض؟

قال: لا والله. لا أعرف.
قالت: أقل شيء ممكن أن يحصل هو أن تتسخ الأرض بالذكاء! وأنا كما تعلم مولعة بالنظافة.. وليكن في علمك أن الذكاء الذي ينسفح على الأرض يمكن أن يجعلني أتزحلق، لأنني أرتدي في البيت نوعاً من الأحذية البلاستيكية اللزجة ذات الإصبع، من ماركة "زنوبة"، وإذا أنا وقعت على الأرض، ممكن أن تنكسر يدي أو ينشق رأسي وينفر منه الدم!

قال قاسم: يا ساتر! دم؟ ذكرتيني يا فريدة بأيام مظاهرات البعثيين وصدامهم مع الناصريين في سنة 1962. أنا كنت ناصري - الله يعفي عنا ويتوب علينا - وطلعنا مرة نحن الناصريين مظاهرة انطلاقاً من ثانوية المتنبي، وصرنا نعيش الزعيم الأسمر جمال عبد الناصر، ونصيح بدنا الوحدة باكر باكر مع الأسمر عبد الناصر ونصيح لا دراسة ولا تدريس إلا بعودة الرئيس.. وما نشوف - يا ستي - غير خمسين ستين واحد بعثيين جايين علينا، وأيديهم وراء ظهورهم. وصاروا يصيحوا بعثية بعثية، ونحن تجاكرنا وصرنا نصيح ناصر ناصر ناصر، لحتى التحمنا مع بعضنا متل لما بيلتحموا المسلمين والكفار في فيلم "الرسالة"، واشتغل الضرب واللكم، واتضح أن البعثيين يخبئون وراء ظهورهم أحزمة بنطلونات وجنازير بسكليتات، وراحوا يضربوننا، والدم يسيل ونحن صرنا نصيح: سال الدم العربي الأحمر.
قالت فريدة: لحظة حبيبي. أنا ما بحب الأمور السايبة. قل لي. في هداك اليوم، أنت تصاوبت كمان؟
- بصراحة يا حبيبتي تصاوبت هون، في جبيني.

وقفت فريدة وقالت: باطل. نحن ناس نأبى الضيم ولا نبيت تحت الأحمال. قم نأخذ بثأرنا. قم!
أمسك قاسم بيد فريدة وشدها نحوها، وأجلسها بالقرب منه، وقال:
- إلى أين؟
قالت: نأخذ بثأرنا من جارنا البعثي "أبو إبراهيم".

وشرحت له آلية أخذ الثأر، كما تراها، وهي أن يذهبا لزيارة أسرة أبو إبراهيم، ويسهرا عندهما، وينعما بواجبات الضيافة، وقبل مغادرة السهرة تقول فريدة عبارة غليظة، فيغضب منها قاسم، ويزجرها، وهي ترد عليه بقسوة، فيسحب حزام البنطلون ويهاجمها، وهي تحتمي بأبي إبراهيم، ولكن قاسم لا يكترث، ويضربها على رأسها بحديد الحزام، وهي تبعد رأسها، فينزل الحديد على جبين أبي إبراهيم ويشجه، ويسيل الدم العربي الأحمر.
فكر قاسم قليلاً ثم قال: فكرة فاشلة، وغير منطقية.
قالت: ليش؟
قال: لسببين، الأول أننا يوم تشاجرنا نحن والبعثيين في سنة 1962 لم يكن أبو إبراهيم على قيد الحياة بعد، فما ذنبه؟ والسبب الثاني أننا تشاجرنا معهم وجهاً لوجه وأنت تنصحينني أن آخذ أبا إبراهيم بالغدر. هل أنا غدار يا فريدة؟
ثم راح يقلد الممثل صلاح قصاص في إحدى تمثيلياته الخطابية ويقول: ألف ضربة قشاط على الجبين ولا يقولوا قاسم غدار يا فريدة!
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...