قص الإخوان من الصورة... وانظر ماذا قدمت لثورتك!

قص الإخوان من الصورة... وانظر ماذا قدمت لثورتك!

18 نوفمبر 2018
+ الخط -
بشكل موسمي يتكرّر اعتراض البعض على قرارات اتخذتها جماعات أو حركات هي في نظر الرافضين لها لا تعبّر إلا عن غباء متخذيها.

فعلى سبيل المثال، نراهم يتعجّبون ويستشيطون غضباً من انتفاضات الفلسطينيين ضد الكيان الصهيوني، متهمين إياهم بخفة العقل، فكيف لأفراد ضعفاء لا يملكون سلاحاً أن يواجهوا ترسانة أسلحة جبارة مدعومة من كل دول العالم!

ثم يذيلون استنكارهم بأن هؤلاء إنما يلقون بأيديهم إلى التهلكة، وكان الأسلم ألا يفعلوا، ويتوقف حديثهم عند هذا الحد، فلا يجهدون أنفسهم بطرح حل بديل! يلقون باللوم على حماس، الحركة المسلحة التي تواجه الكيان اللقيط عسكرياً في هذا الوطن العربي والإسلامي مترامي الأطراف والجيوش والسكان، ويتهمونها بتصدير المدنيين أمام المدافع. أعتذر للشعب الفلسطيني الحر، فقد انمحى من قاموس أبجديات هؤلاء معنى كلمة مقاومة، واندثرت من أخلاقهم معالم المروءة، وضاع وسط أطماعهم ونفاقهم معنى كلمة وطن.

وبشكل متكرر ينتفخ المحللون السياسيون وهم يحتسون قهوتهم ليقرروا أن ترشح أحد الإخوان كان خطأ باهظاً، وأن بقاء الرئيس مرسي في كرسيه بعد أن علم أنه لا يستطيع أن يستخدم صلاحيته كرئيس جمهورية ليتخذ ما تمنّوه من قرارات ثورية كان غباء ينمّ عن طمع في سلطة، ولم يخبرونا أبداً عن تصوراتهم عن بديل مرسي في حالة تنحيه، وإن كان الجيش كلاعب رئيسي سيسمح بهذا التغيير. لا يقدمون سوى نقد وحسرة على طريقة الفنان سليمان نجيب (آه لو كنت خدت الوصل)، بالرغم من أنه كانت لديهم فرصة ذهبية لاستعادة الوصل في انتخابات البرلمان الثانية، ولكنهم فضلوا سكب اللبن والبكاء عليه.


استسلموا لفكرة طمع الإخوان في الحكم، وكأن الأحزاب، سواء كانت ذات خلفية دينية أو علمانية، لا يجب أن تطمع في الحكم؛ فلم تكونت إذن؟! إذا كان على الجميع أن يتراجع من أجل الوطن! فمن يتقدم؟

إن تراجع الأحزاب والحركات فتح باباً لا ليمرر جملاً، بل ليمرر وحشاً كانوا قد قيدوه في ثورة يناير. تقدم الإخوان، وكان يجب على الجميع أن يتقدم معهم. لا تلوموهم، بل لوموا من نفض يده ولم يثابر ليكمل مسيرته ويصل إلى هدفه.

لم يضع المنقلب على نظام الحكم الوليد الإخوان في مربع الآخر، بل وضعه مع الخائن والكاذب في كفة واحدة، لم يتعاملوا معهم من منطلق أنهم فصيل ثوري يرى مصلحة الوطن من زاوية مختلفة كما يفعل ديمقراطيو العالم المتحضر، بل عاملوهم بمنطق غوغاء عصور الظلام بأوروبا، فجعلوها جماعة من السحرة حلال فيها اقتلاع الأحشاء.

المشكلة الحقيقية أن هذا النمط من التفكير صار جزءاً من تركيبة الإنسان العربي، فصار يرى من يحارب من أجل مبدأ، بغض النظر إن كان يرضاه أو يرفضه، هو ضرب من الجنون، فقد انحصرت فكرته عن القتال في العراك في طابور غذاء أو أمام شباك تذاكر سينما!

يشاهد العربي فيلم Brave ويحمسه كلام ويليام ولاس وهو يحفز أحد جنوده قائلاً: (بلى، قاتل وربما تموت، اهرب وربما تعيش لوقت قصير، ثم ستموت بعد سنوات عدة من الآن، ولكن هل أنت مستعد أن تقايض هذه الأيام التي ستعيشها بفرصة واحدة، فرصة واحدة فقط، لتعود هنا كهؤلاء الرجال فتصرخ في وجه عدوك أنه يستطيع أن يأخذ روحك ولكنه لا يستطيع أن يسلب حريتك)..

وينساب مع أوريليوس في فيلم The last legion وهو يحدث رجاله قائلاً: (وأنتم يا رجال الفيلق التاسع، جميعنا معاً، ضحينا بحياتنا من أجل الإمبراطورية التي أنشأها أسلافنا، وشاهدنا الإمبراطورية تنهار إلى العدم. أخبركم أنه في أحلك اللحظات ترسخ لدي اعتقاد أنه لم يتبق شيء للقتال من أجله. لكنني أدركت من خلال حكمة الآخرين، أن هناك معركة أخرى يجب خوضها لمواجهة الطغيان وذبح الأبرياء. دعونا ندافع عن النفس الأخير في هذه الجزيرة من بريطانيا، ضد أولئك الذين يمزقونها قلباً وروحاً، ليتذكر أولئك الذين يأتون بعدنا، أنه كان هناك محارب روماني، سيف روماني، وقلب روماني).

وبعد مشاهدته للفيلم يختبئ من كل شيء حتى من ظله، يخشى على حياته، ويخشى أن يظهر أحد شجاعته حتى لا يعري جبنه!

اتفقت أو اختلفت مع الإخوان فقد خاضوا معاركهم وقاتلوا وتحملوا مسؤولية أخطائهم وأوزار فصائل ظنوا أنهم أكثر حرية وامتلاكاً لأمرهم ليكتشفوا أنهم طاروا حول النار حتى وقعوا فيها.

ومهما كان رأيك في مرسي فقد كانت لديه الشجاعة ليتقدم في وقت حرج تراجع فيه زعماء افتراضيون يشرقون ويغربون بحسب الطقس، ولحظات الثورة الحرجة لا تحب الآفلين.

مقاتلو فلسطين يعلمون أنهم وحدهم تماما، لا يساندهم بلد عربي ولا غربي، إلا من رحم ربي، يعلمون أن عدوهم يملك كل شيء وهم مجردون حتى من أرضهم، اختاروا الموت على الحياة دون شرف، فضلوا الشهادة على المهانة والذل، أهدروا حياتهم ولم يهدروا دينهم ونساءهم..

قولوا عنهم مجانين، مخابيل، اضحكوا منهم كما ضحك قوم نوح من سفينته، لكن تظل المسلمات ثابتة، ففلسطين أرضهم، وهم رجال لا يقبلون أن يهدم المسجد الأقصى وهم ينظرون.

قبل أن تحاكم غيرك.. فتضحك من مرسي في زنزانته وتتهمه بالجنون لأنه ما زال يرى نفسه رئيساً للجمهورية، وقبل أن تضع الإخوان في كل جملة فشل غير مفيدة، وقبل أن تتهم حماس بالمسؤولية عن قتل مدنيين أثناء مواجهات مع الاحتلال؛ قيم أعمالك، وزن ما قدمت، واعلم أن تأييدك الظاهري الملغم لمرسي أو معارضتك الهيستيرية اللا إرادية للإخوان لا تعفيك من مسؤولياتك تجاه المبادئ وتجاه الوطن.

قص الإخوان من الصورة، وانظر ماذا قدمت لثورتك، وعروبتك، ودينك.
7048540C-B765-4399-A999-CB7869F215E2
رانيا مصطفى
باحثة مهتمة بالتاريخ والسياسة والأدب والعلوم الإنسانية. تقول: كل فكرة فى مقال ماهى إلا رسالة فى زجاجة ملقاة فى بحر تتقاذفها أمواج الأيام حتى تصل إلى من يهمه الأمر