عن العدالة الشّعرية وكوكتيل العبث وسفاسف أخرى!

عن العدالة الشّعرية وكوكتيل العبث وسفاسف أخرى!

18 نوفمبر 2018
+ الخط -
ـ تعلمنا في قسم الصحافة بكلية الإعلام أن على كل صحفي أن يجيب في كل خبر يكتبه عن خمسة أسئلة: ماذا ومتى وأين ومن ولماذا؟، أغلب الصحفيين الآن مهتمون في كتابة أخبارهم، بالإجابة على سؤال واحد: هل سيرضى الضابط المسؤول عن صياغة الخبر؟

ـ حين تصل القافلة إلى نهاية سكة الندامة، سيدرك أهلها للأسف أن بعض الذين حاولوا اعتراض مسيرتها، لم يكونوا كلاباً، ولم يكن بينهم من ينبح.

ـ لدينا قدرة مدهشة على التعايش مع العفن، ولذلك لو عبرت جريمة قتل المرحوم جمال خاشقجي دون عقاب حقيقي، لا تستغرب لو أضيف إلى برامج المعاهد الدبلوماسية في بلادنا، دورات في التشريح، وكورسات مكثفة في "تجزئة" الجثث.

ـ كل الأشياء فقدت براءتها في هذا العصر، حتى عبارة "سعر التجزئة".

ـ من حسنات هذه الفترة "المعفّنة" من تاريخ العالم، أن شعوب الدول "الديمقراطية" أصبحت مثلنا تدرك أهمية دور عزرائيل في التغيير السياسي، لكن لا زال الفرق بيننا وبينهم، أننا نعتمد فقط في وقوع التغيير السياسي على عزرائيل.

ـ حين يعيش الكاتب العربي المعارض داخل بلاده، يسعى الكثيرون فيها إلى إخراجه منها ولو جثة هامدة، وحين يعيش خارج بلاده، يسعى هؤلاء إلى إعادته إليها ولو جثة هامدة. إذا أردت أن تكون كاتباً مستقلاً في بلادنا المحمية بالحرامية، يلزمك الكثير من الحظ لكي تصبح جثة هامدة غير مجزئة ولا مذابة، في الموعد الذي يختاره الله، ودون مساعدة السلطات.

ـ تحت تأثير قوة عبارة "انت شكلك شارب حاجة؟"، نسي الناس عبر العصور والأجيال أن أغبى وأخطر وأخبث وأوسخ الأشياء يقولها ويفعلها "الفايقين".

ـ بعد أن اتضح أن للحيوانات لغة تستخدمها للتواصل مع بعضها، أصبح من الأدق أن نقول أن الإنسان حيوان طابخ، فلن تجد حيواناً آخر يطبخ لكي يأكل غير الإنسان، ولن تجد حيواناً آخر، حيواناً بالمعنى الشعبي للكلمة، يستخدم الطبخ كمعيار لتقييم شريكة حياته.

ـ مشكلة الكثيرين من أبناء بلادنا من الكتّاب والقرّاء، أنهم لا يزالون يعيشون عقلياً ونفسياً في عصورنا القديمة، أياً كان رأينا فيها، حيث كان لا بد للشعر من غرض، الفخر أو الهجاء أو الرثاء أو الغزل، ولذلك تجدهم لا يستوعبون فكرة ألا يكون للكتابة غرض، سوى الكتابة.

ـ إذا أقلقك اختفاء الحديث عن الضمير وأزمة الضمير وغياب الضمير هذه الفترة، فلا تنزعج، سيعود الحديث عنه وبقوة وبكثافة في كل مكان، فقط حين تحتاج السلطة معدومة الضمير إلى ذلك؟

ـ مع أن القبلة تظل بالنسبة للإنسان الذي يعرف قيمتها أغلى وأهم شيء في الوجود، على الأقل خلال أول خمسة وسبعين سنة من حياته، إلا أنك لا تجد أحداً يفكر في إحصاء قبلاته وتقييدها في دفتر خاص، ولذلك لا نتذكر من بين كل القبلات في حياتنا إلا أولها أو أحدثها أو أبوخها.

ـ لو أطلقت القطط والكلاب التي تعيش في شوارع مدننا وقراها بدورها هاشتاج "مي تو" لتوثيق تجاربها مع التحرش والتنمر والاعتداءات البدنية، لما وجدت بيننا كهلاً ولا شاباً ولا طفلاً معصوماً من ورود سيرته في ذلك الهاشتاج المقبض، إلا من رحم ربّي، وقليلٌ ما هم.

ـ هل كان صديقي الذي أسعده ثنائي على كتابه الأخير، سيسعد بنفس القدر لو قلت له أنني قرأته بالكامل في الحمام وأنا أعاني من آثار أكلة هندية.

ـ يا بني لا يغرك أن رأسي لم يشتعل شيباً، فأنا قديم جداً وأوعى على أشياء لا تخطر لك على بال، يكفي أنني حضرت أيام أن كان للجنيه باقي.

ـ كلنا شاركنا في تحقير قيمة الكلام، لأننا لم نكن نعرف أننا سنفتقده حين يتم منعه.

ـ لا أحب نظام تقسيط مصاريف المدارس، لأنني لا أفضل لأسباب عاطفية ألا يسمعني بناتي ألعن اليوم الذي أصبحت فيه أباً، ثلاث مرات في السنة.

ـ حتى الآن لم أفهم لماذا أباحت الشريعة الإسلامية النظرة الأولى، وحرمت الشفطة الأولى؟

ـ من دعاء الصالحين: اللهم نجنا من الشرير ولا تدخلنا في هاشتاغ.

ـ أعتقد أن تشريع مسألة الاعتراف في الكاثوليكية يرتبط في الأساس بكون الراهب ليس مسموحاً له أن يتزوج، يستحيل أن يأتمن أي إنسان عاقل على خطاياه وأسراره، رجلاً في حياته امرأة.

ـ من قال أنك لا بد أن تكون وفياً لكل من يرتبط بك، ألسنا نحاول التخلص طيلة الوقت من أكثر من يرتبط بنا في الحياة: الكِرش؟

ـ قد أكون معك في الترحم على أيام الماضي لأسباب كثيرة، ليس من بينها أن تترحم على الأيام التي كنت تشرب البيضة فيها نيئة أو تأكلها نص سِوا، هذه بالذات ليست مشكلة الزمن، بل مشكلة المهانة وقلة القيمة التي عاشتها معدتك.

ـ يعني، لكي أصف لك إلى أي حد كان صديقنا ساذجاً، دعني أقل لك إنه كان يتصور أن الممثلين يشاهدون الأفلام المشاركة في المهرجانات السينمائية التي يحضرونها.

ـ لا تتعب نفسك يا عزيزي، لا أحد يهتم بالعدالة إلا حين يكون متهماً، ولا يطالب بالتثبت إلا حين يكون محلاً للشك.

ـ الحياة ليست عادلة، ومع أنك لا تختار موقعك فيها، بل يفرض عليك فرضاً، ستجد أن موقعك المفروض عليك يحدد الكثير مما له علاقة بحاضرك ومستقبلك دون أن يكون لك يدٌ في ذلك، خذ عندك مثلاً على سبيل المثال لا الحصر كيف تختلف طريقة التعامل مع الشَّعر، حين يكون في الرأس، وحين يكون في المؤخرة، ففي حين ينبهر الناس بطول شعر الرأس وجماله ويكتبون فيه القصائد ويهتمون بتصويره ويصنعون من أجله المنتجات المتنوعة، يتعرض شعر المؤخرة للإهمال والتجاهل من كافة الأدبيات، مع أنه مظلوم ومحروم من كل الحقوق التي تتمتع بها كافة الشعور، وعلى رأسها الحق في التهوية، والحق في أن ينشغل أحد بمعنى وجوده.

ـ كوكتيلنا العبثي يضاف إليه كل يوم المزيد من الأشكال والأصناف المدهشة: متدينون متعصبون لا يعاملون الناس طبقاً لما تدعو إليه تعاليم دينهم، ملحدون اتخذوا الإلحاد ديناً لتطليع دين من يرغب أن يكون له دين، حاملو وطنية مضروبة يتغير فيها العدو حسب مزاج الحاكم وألاضيشه، ثوار من أجل الحرية لا يؤمنون بالحرية ولا يمارسونها حتى في أقرب الدوائر المحيطة بهم، تنويريون لو جلس معهم أيمن الظواهري ساعة زمن لاشتكى من ضيق أفقهم، والجديد الآن في الأسواق: عدميون يأخذون كل شيء بجدية تثير سخرية الرهبان، "واللي يعيش يا ما يشوف".
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.