حكاية البنت التي ضاعت

حكاية البنت التي ضاعت

12 نوفمبر 2018
+ الخط -
خلال وجود الثنائي الكوميدي قاسم وفريدة في ضيافة مريم أخت فريدة وزوجها ناظم وقعت حادثة طريفة. فقد تأخرت الفتاة "سلوى" عن العودة إلى البيت حوالي ساعتين، فاستنفرت الأسرة كلها، وراحوا يضربون الأخماس بالأسداس، ويعددون الأماكن التي ربما تكون "سلوى" قد ذهبت لزيارتها دون أن تُعلم أسرتها، والسيد "ناظم"، وقتئذ، شعر بأهميته الاستثنائية، فجلس وراء طاولة واطئة عليها جهاز التلفون وكأنه "قائد كتيبة" يحرك عساكره وقطعاته خلال معركة حامية الوطيس. ومن جهة أخرى كان تَأَخُّرُ البنت مناسبة رائعة لممارسة هوايته في الحكي وإظهار ذكائه الخارق.

قال ناظم لزوجته مريم: يا ترى سلوى راحت تزور عمتها فدوى؟ وأجاب نفسه: كل شي وارد. واتصل بأخته فدوى وبعد السلام والسؤال عن الأحوال، سألها عن البنت.
قالت فدوى: يا ساتر، والله يا أخي شغلت لي بالي على سلوى. لا والله ما شفتها. لو أنها جاءت لزيارتي لكنت أخبرتك.

اتصل برفيقتها سلام، وحكى مع والدها، واستعادا ذكرياتهما الجميلة في أيام العسكرية، وكيف أنهما تعلما شرب المتة من صديقهما السلموني إبراهيم، ثم سأله إن كانت ابنته سلوى قد ذهبت لزيارة ابنته المحروسة سلام.. وكان الجواب بالنفي.


أرسل ناظم أبناءه الشبان في جولات استطلاعية بحثية ضمن اتجاهات المدينة المتنوعة، وأرسل ابنته الكبرى جهينة في جولة على رفيقات سلوى اللواتي لا يمتلك أهاليهن أجهزة هاتف.

بعد ساعتين، عاد الجميع إلى البيت، وعادت البنت المفقودة سلوى! بدأ الجميع يتحدثون في آن واحد يريدون أن يعرفوا سبب ضياعها، فقالت لهم:

- طولوا بالكم. واسمعوني لأحكي لكم ما جرى بحذافيره.
أصدر ناظم أمره بالاستماع، فقالت إنها خرجت من المدرسة مع رفيقاتها كالمعتاد، فوجدنَ امرأتين واقفتين عند منعطف الشارع، تتأملان الطالبات بطريقة غريبة، حتى وصلت هي استوقفتاها وقالت لها إحداهن ما معناه إنها فتاة جميلة، ويسعدها كثيراً أن تصبح كنتها، ويا حبذا لو توافق على الزواج من ابنها، وهو طبيب أسنان متخرج حديثاً، وقد اشترى له أبوه عيادة في بناية جديدة بالقرب من "فرن هزبر"..

ابتسم ناظم وقال: والله كلام جميل. أنا موافق. أعطيك له.
والتفت إلى قاسم وقال له: بتعرف يا عديلي، أحسن اختصاص طبي في هذه الأيام هو الأسنان.. يعني، بلا مؤاخذة، إذا حدا من العيال مرض أنا أكتب له اسم دواء، على الأغلب هو حب التهاب "أنتيبيوتيك" عيار 500، يتناوله فيشفى بإذن الله.. وأما في طب الأسنان فأنا لا أنفع، ولا بد من الذهاب للطبيب، والطبيب بدوره يستحكم بالزبون ويطلب سعراً خيالياً.

قال قاسم: كلامك صحيح عديلي، بس خلينا نفهم أيش صار مع سلوى؟

قال ناظم: عم تنخطب مثلما بينخطبوا البنات. المهم إذا صار هاد الطبيب زوج ابنتنا أكيد راح يعالجنا كلنا بالمجان. هل تعلم أن زوجتي مريم منذ أيام وهي تطلب مني أن آخذها إلى طبيب الأسنان. وأنا جبت ملعقة وفتحت فمها وشفت بعيني. في عندها وضع كارثي، يعني إذا دكتور الأسنان صار صهرها أكيد راح يصلح أسنانها ببلاش.

قالت فريدة: يا سلوى هذا أبوكِ لا يترك أحداً يحكي سيرة إلا ويقاطعه. أيش صار مع هدول النسوان اللي طلبوكِ؟

قالت سلوى: في ساحة البازار يوجد كرسي كبير قعدنا عليه وصاروا يسألوني عن عيلتنا وعن دراستي، وصاروا يضيعوا الوقت لحتى أجا العريس.

قال ناظم: حلو. يعني القصة صارت جدية. على فكرة أنا كمان عندي ضرس يوجعني في الليل.. و..
قالت سلوى: الدكتور شافني، وقلب وجهه ومشي. يعني ما عجبته.
قال ناظم: ليش ما عجبك؟ لك بنتي يكفي أنه دكتور أسنان و..
قالت سلوى: يا بابا لا تستعجل. عم أقول لك أنا ما عجبته! مو العكس.

(ملاحظة: عندما انفردت فريدة بابنة أختها سلوى، اعترفت لها سلوى أن حكاية الخطبة والدكتور كلها ملفقة.. السبب أنها لا تستطيع أن تحكي لأهلها السبب الحقيقي لتأخرها عن البيت)!

دلالات

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...