أيّها السوريّون هلمّوا إلى البكاء!

أيّها السوريّون هلمّوا إلى البكاء!

01 نوفمبر 2018
+ الخط -
منذ أن قرأت نبأ وفاة محمد النعيمي، وأنا في عالم غير الذي نعيش فيه، تأمّلت وجه الرجل ووجوه الأطفال الذين يحيطون به، في صور التُقطت دون ترتيب مسبق كما يظهر من زواياها ومصادر إضاءتها، خلال زيارات لمخيّمات الشمال السوري.

لم أعرف محمد يومًا، ولكن ما شاهدته في صوره وقرأته في تعليقات أصدقائه، جعلني أدخل حنايا قلبه، لأعرف كم حمل من الهم حتى ضاق ذرعًا بهذه الدنيا وعجز عن استيعاب أوجاع عاينها وعاشها فتعب وخذَل النعيمي ليتوقّف إلى الأبد..

محمد الذي التفّ الأطفال حوله، علّهم يعوضون اليتم والحرمان اللذين نزلا عليهم في خيم الفقر والعَوَز، بعيدًا عن شاشات التلفزة ونشرات الأخبار.. وهو المتحدّث باسمهم بعد أن نذر نفسه لنقل معاناتهم والتخفيف عنهم.


لقد ووري الثرى في مسقط رأسه مدينة تفتناز في ريف إدلب، بعد أن لفظ أنفاسه الأخيرة في أحد مشافي تركيا.

يقول صديقي الذي تربطه علاقة طيّبة بمحمد، محاولًا إخفاء الغصّة التي تبدو في بحّات صوته: "الرجل عظيم كرّس حياته للمخيمات وأطفالها على حساب صحته وراحته وحمّل نفسه أكثر مما يستطيع علّه يخفّف مأساة أهل المخيّمات"، ويضيف بصوتٍ خافتٍ: "لماذا لم تتحدّث وسائل الإعلام الثورية عنه، لماذا يموت الصادقون بصمت.. ثم يصمت" .. وأصمت..

نعم إنه الصمت الذي راودني وأنا أتصفّح ما كتبه النعيمي على صفحته في موقع تويتر.. واصفًا عجزه وشعوره بالذنب، لأن جسده المنهك الذي أجبره على المكوث في سرير المرض، داخل إحدى المستشفيات التركية، حرمه من مساعدة المحتاجين داخل المخيمات، بينما يسنّ الشتاء أنيابه. ربما لا يستطيع أحد أن يعرف ما الذي يمكن أن يفعله شتاء سورية بخيام بسيطة بُنيَت على أرض ترابية، غير الذي عاين أو عاش داخل هذه الخيام.

هذه اللحظات تعني الكثير لمن صَدق الفقراء والمحتاجين، ونذر نفسه لهم فلم يعد بوسعه وهو العاجز عن مساعدة نفسه، المزدادُ قهره، إلّا أن يوكلهم لربّ عظيم.. تراودني هذه العبارة دائمًا، العجز عند الرجال موت، فما بالكم بمن يموت وهو عاجز؟

من بين آخر ما كتبه النعيمي قبل رحيله، حوار دار بينه وبين زوجته المرافقة له في المشفى حيث سألته: "منذ أيام وأنت في المشفى لم أر أحدًا زارك رغم مئات الاتصالات التي وردتك، فقال: غالبية من أحبهم ويحبّونني هم من الفقراء إمّا في المخيمات أو لا يملكون أجرة سيارة وأنا لست بعاتب عليهم المهم أن يكونوا بخير".

لا أعرف هل سيكونون بخير بعدك، أم أن دائرة اليُتم الملعونة ستتسع أكثر فأكثر حتى تكسي مخيمات اللاجئين وحشة بعد أن أشبعتها فقرًا وألمًا.. عزاؤنا الوحيد أنّك في مكان أفضل عند ربّ رحيم، وأنّهم في أمان الله كما دعوت قبل خلودك..!
BCC726E4-E59F-48C1-901E-61088B5D3266
معتصم الناصر

مدوّن سوري.. خريج كلية التربية في جامعة قطر. من أسرة العربي الجديد.