عن قيمة العملة والنقد المخابراتي وعَلَم اليابان!

عن قيمة العملة والنقد المخابراتي وعَلَم اليابان!

08 أكتوبر 2018
+ الخط -

ـ لا تستطيع معرفة القيمة الحقيقية للعُملة في بلد، حين تسأل كم يشتري الكم مليون من عملتها شقة أو سيارة أو قطعة أرض، بل حين تسأل هل يشتري الكم مليون منها قاضياً؟

ـ قد أختلف معك لكني سأدفع حياتي ثمناً لمعرفة كيف يمكن لشخص في سنك وعقلك أن يصدق أنني يمكن أن أدفع حياتي ثمناً لكي تعبر عما تتصور أنه آراء؟

ـ حين يحكم البلاد مستبد مهووس بالتحكم في كل شيء يحدث في البلد مهما كان ضئيل الأهمية، لن تكون محتاجاً إلى حفظ أسماء الوزراء والمحافظين وباقي المسئولين لتلعنهم وتدعو عليهم، لأن من الأوفر للوقت والجهد أن تلعن "سنسفيل اللي جابهم"، وتوفر دعواتك المخلصة من أجله، لعل الله يعجل بأجَلَه.

ـ صحيح أن الديمقراطية لا تضمن دائماً عدم وصول الحمقى إلى مقاعد الرئاسة، لكنها يمكن أحياناً أن تحول بقاءهم فيها من نزهة إلى كابوس.

ـ لو عرف الناس كم التعاسة التي تجلبها عبارة "عايزين نفرح بيكم قريب"، لما نطقوا بها أبداً.

ـ لو كان هؤلاء حريصين حقاً على تجريس كل قاتل أو مغتصب وتذكيره دائماً بضحاياه الذين تسبب في قتلهم أو هتك عرضهم، لطالبوا بوضع صورة عبد الفتاح السيسي على كل فئات الجنيه.

ـ في الزواج السعيد تصبح كل أركان شقة الزوجية أماكن محتملة لممارسة الجنس، في الزواج العادي تصبح كل أركانها ملاذات آمنة للهرب منه.

ـ بعد كل هؤلاء الحمقى الذين وصلوا إلى مقاعد الحكم في كافة أنحاء العالم، أخيراً تساوينا بالدول الديمقراطية التي كانت تظن أنها أكثر تقدماً منا، فلن يجرؤ عاقل من آبائها وأمهاتها بعد اليوم على أن يقول لأحد أطفاله: "ذاكر واجتهد واهتم بتعليمك واحترم نفسك وحافظ على أخلاقك وشرف كلمتك لكي تصبح رئيساً للجمهورية".

ـ أتحدى أن يكون قد عاش في قرية أو قضى فيها أكثر من نصف يوم، ذلك المخادع الذي أقنع الملايين أن الأشجار المثمرة وحدها تُقذف بالحجارة، وإذا كنت لا تملك وقتاً للذهاب إلى الريف للتأكد من الموضوع، دعني أذكرك أننا نعيش في بلد تُقذف فيها القطارات بالطوب.

ـ ربما كنت ستدرك معنى الحياة مبكراً، لو أدركت أن الفرق بين الصواب والخطأ والخير والشر والحق والباطل، لا يبعد كثيراً عن الفرق بين الفتحة التي خرجتَ منها إلى الحياة، والفتحة التي تخرج منها أغلب مقالات الصحف الحكومية وتصريحات الخبراء الإستراتيجيين وبوستات الفيس بوك.

ـ ليس غريباً أن ترتفع نسب الطلاق بهذا الشكل المخيف، في بلد يتعايش فيه الناس مع الأخطاء والجرائم والمصائب والكوارث، ويرفضون التعايش معها والطناش عليها فقط حين يعودون إلى البيت.

ـ بعد كل ما جرى من تطورات سياسية في منطقتنا المنكوبة، انتقلت شعوبنا رسمياً من مرحلة "الأيتام على موائد اللئام"، إلى مرحلة "الأيتام على بتاع اللئام"، فلم يعد مسموحاً حتى للأيتام أن يجلسوا على الموائد.

ـ كل هذه الأموال أنفقها المسلمون على المشايخ والوعاظ والدعاة، ومع ذلك فشلوا في إقناع عموم الناس بآية واحدة، كان يمكن أن تخفف الكثير من مآسينا، آية كانت ستجنب الكثيرين من المتحمسين لدينهم كثيراً من الظلم الذي يمارسونه باسم الغضب لدين الله: "ولا تزر وازرة وزر أخرى".

ـ في مرحلة معينة يختلف توقيتها طبقاً لظروفك، ستتوقف عن الانشغال بموضوع الخلق والتطور وكيف بدأ الكون ومتى ينتهي؟ لينشغل بالك بسؤال أهم: هل ستموت مديوناً أم لا؟

ـ إذا كانت مشاهدة الأعمال الفنية بكثافة، والقدرة على إبداء آراء قاطعة فيها، ومعرفة صناعها والاختلاط الدائم بهم، يمكن أن تؤهلك لوظيفة الناقد السينمائي، فالمؤكد أن الحركة النقدية في مصر ستكسب في المستقبل عدداً لا بأس به من ضباط المخابرات الحربية.

ـ لدي فكرة لتطبيق إلكتروني يمكن أن يجلب أرباحاً بالمليارات دون مبالغة، وأبحث عن مصمم ومنفذ ومستثمر جاد، الفكرة ببساطة هي عمل تطبيق للتواصل مع الأمهات والآباء والخالات والأعمام وجميع الأقارب، يقوم أتوماتيكياً بحجب رسائل النصائح الطبية والآراء السياسية وروابط الفيديوهات المضحكة والقصص التي لن تصدقها والأدعية التي يجب أن تنشرها لكي تنجو من الأمراض وصور الأطفال الضاحكين والباكين وأي رسالة تنتهي بكلمة منقول، والاكتفاء بعرض بقية الرسائل، بذمتك ألن تكون أول المشتركين؟

ـ القرفة مثلاً أجدع بكثير من القهوة وأطعم وأكثر فائدة وأقل تكلفة، لكن بماذا أفادها كل ذلك حين لم تنجح في إقناع شاعر شاطر واحد بمحاسنها؟

ـ من حسن حظ الآباء بالذات أن الأطفال لا يمتلكون ذاكرة قوية في سنواتهم الخمس الأولى، وإلا لما كانوا قد نسوا أبداً عدد المرات التي قيلت فيها بغضب عبارة: "مش تتخمد بقى، إيه اللي مصحيك لحد دلوقتي؟"

ـ حين قرأت قبل أشهر خبر وفاة أحد أبطال حرب أكتوبر عن عمر تجاوز التسعين عاماً، لم أمنع نفسي من التفكير في أن هناك من سيحزن على وفاته لأسباب لا علاقة لها بمحبته أو بتقدير دوره الوطني، من هؤلاء مثلاً زملاء صحفيون أعرف بعضهم، كانوا يجرون معه حواراً كل عام، وأحياناً في العام مرتين، مرة في ستة أكتوبر ومرة في عشرة رمضان، ولولا الملامة لأجروا معه حواراً في يوم السنة القبطية الموافق لذكرى النصر، وهي حوارات لم تكن خالصة لزيادة الاهتمام بحرب أكتوبر، بل لزيادة كشف الإنتاج.

ـ وراء كل باطل منتصر، صاحب حق ظن أن "أخذ الحق صنعة" مجرد عبارة إنشائية.

ـ يا عزيزي لو كان الغباء الشديد وثقل الوطأة، يبرر العنف وانفلات الأعصاب، لكان والدك الآن يعيش وهو يحمل على وجهه أثر حرق مكواة.

ـ يظل سن الأربعين وما بعده بالنسبة لك جزءاً من مرحلة الشباب، خصوصاً إذا كنت تشعر بأنك في غاية الحيوية والنشاط، أو إذا كنت تعتقد ذلك، ثم يبوخ كل شيء حين تجد من يكتب على هذا الحساب أو ذلك أنه مندهش للغاية، لأن هناك من لا زال يلعب في مباريات هذه البطولة أو تلك، وقد تجاوز الأربعين.

ـ كنت أستمع بالصدفة إلى خبير استراتيجي يتحدث زاعقا عن فضائل مصر التي يساهم هو وزملاؤه من اللواءات العاملين والمتقاعدين في نهبها، فتذكرت عمنا جلال عامر رحمه الله، فقد كان له "لزمة" فريدة في ذكائها وخفة ظلها، كان كلما سمع أحدا يجيب سيرة "مصر وحضارة السبعتلاف سنة"، يقول بجدية شديدة: "وشوف دي تعمل كام باليورو".

ـ كنت أخوض حديثاً أبوياً هادفاً مع ابنتي عن الدورة الشهرية التي يعتبر بعضنا لأسباب غير مفهومة أن من الأشيك والأليق تسميتها بـ "البيريود". بدأ الحديث بأن حكيت لها عن رواية تركية لطيفة، كانت بطلتها تحكي عن طفولتها في تركيا قبل أن تهاجر إلى ألمانيا، وحين جاءتها الدورة الشهرية لأول مرة ارتبكت وفزعت، وجرت لتخبر أمها أن الدورة جاءتها، ففوجئت بالأم تلطشها قلماً معتبراً، وتحذرها من أن تقول كلمة الدورة على الملأ ثانية، وأن عليها بعد ذلك أن تستخدم تعبيراً وحيداً هو "عمتي وصلت".

ضحكت ابنتي وقالت لي: "أنا وأصحابي في الموضوع ده بنقول: Japan is coming"، سألتها مستغرباً: "وما علاقة اليابان بالموضوع"، فقالت لي وهي على ما يبدو محرجة من جهلي: "عشان العَلَم بتاعهم"، ولأني لم أكن مهتماً بالتركيز في شكل العَلَم الياباني، أطلقت ضحكة الأب المصري العليم ببواطن الأمور مع إضافة قليل من الصرامة المطلوبة، ضحكة ماركة الفنان عدلي كاسب رب الأسرة الحِمِش والطريف في نفس الوقت، وبعد أن انصرفت دخلتُ على جوجل، ليتضح لي المقصود، فعَلَم اليابان ليس سوى قماشة بيضاء وفيها دائرة حمراء. فعلاً، جنب كل ذي عِلم عليم.

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.