مريم أمجون... ملاك فوق قطعة من قطع جنة مفقودة

مريم أمجون... ملاك فوق قطعة من قطع جنة مفقودة

31 أكتوبر 2018
+ الخط -
بعدما أخذت منا الأخبار السلبية مأخذها، ولم يعد في الوطن ما يعجب، وبعدما توالت علينا الصدمات الواحدة تلو الأخرى، استفاق المغاربة صباح أمس الثلاثاء، على خبر مفرح أحيا فيهم مشاعر التفاؤل وأعاد لهم بصيصا من الأمل في وطن تشبع أطفاله قبل شبابه بفكرة استحالة تحقيق أهدافهم إلا خارج حدوده الشمالية.

مريم أمجون، الطفلة المغربية التي تبلغ من العمر تسع سنوات، تمكنت من حصد المرتبة الأولى في مسابقة "تحدي القراءة العربي" المقامة بدولة الإمارات بعدما تفوقت على أزيد من عشرة ملايين مشارك يمثلون 44 دولة عربية وعالمية.

هذا التتويج كان كفيلا بإدخال الفرحة إلى قلوب شريحة كبيرة من الشعب المغربي التواق للفرح، دموعها البريئة وابتسامتها التي تختزل أحلاما كبيرة، فصاحتها وطلاقتها وثقتها بالنفس وهي تتحدث وتصرح لوسائل الإعلام، كل ذلك كان مدعاة للفخر والاعتزاز، مريم التي طلب منها أن تختزل وطنها المغرب في كلمتين، أجابت: "إنه قطعة من الجنة"، ويا ليته فعلا كذلك يا مريم.

"نمّت في قلوبنا حب الفضول المعرفي وحب قراءة الكتب"، هكذا أجابت مريم حينما سئلت عن رأيها في المبادرة التي فازت بجائزتها، والتي وجهت من خلالها رسائل كثيرة بعفوية الصغار ورصانة العارفين وفرحة المنتشين، وبأسلوب راق، نصحت زملاءها وأقرانها بالقراءة والمطالعة معتبرة أن ذلك يمثل منارة الحضارة ومرقاة المجد والسيادة.


قد يبخس البعض حجم الحدث، وقد يعتبر البعض الآخر أن تفاعل المغاربة مبالغ فيه، لكني أعتبر أن لا وجود لأي مبالغة في الأمر، فحجم الفرحة يقاس بحجم انتظار الفرح، والمغاربة انتظروا كثيرا لسماع خبر يسعدهم.

إن تعاطي المغاربة مع هذا الخبر أظهر أننا لسنا شعبا حزينا يجد ضالته في بؤسه، كما أراد أن يصورنا البعض، نحن شعب كان يحتاج فقط ليسترق خبرا مفرحا يخرجه من كومة الحزن التي تحيط به.

هذه الطفلة التي تتحدر من منطقة تيسة في إقليم تاونات، أعادت التأكيد أن المناطق النائية دائما ما كانت ولادة ومنتجة للنبوغ وللتميز، وأثبتت أن الإقصاء والتهميش قد يصيران حافز نجاح وانبعاث. وبرهنت أنه من الظلام قد يسطع نور العلم. فمريم التي تدرس في السلك الابتدائي، أعادت الاعتبار إلى للمدرسة العمومية ولجيل صاعد ظلم في بلده.

مدينة تاونات، هذه المدينة التي لطالما أنجبت أطرا ومثقفين ورجال دولة، وأعطت بسخاء لهذا البلد، ظلت على مدار عقود تجازى بعكس فعلها، إذ طاولها الإقصاء والتهميش الذي طاول عديد القرى والمدن الأخرى المشكلة لخارطة "قطعة جنة" مريم.

في وقت من الأوقات، كانت مثل هذه الجوائز والإنجازات تمر في صمت، وكنا نمر عليها بدورنا مرور البخلاء، لا أحد يوفيها حقها، إذ ظلت الأولوية للرداءة والتفاهة، وكان الاستياء يسود حينما تتم مقارنة حجم الاهتمام الإعلامي والحشد الجماهيري الذي يواكب أصحاب الجوائز الفنية بذلك الذي يرافق الجوائز الثقافية والعلمية.

إذا كان الاحتفال بالرداءة محط خلاف، فالاحتفال بمثل هذه الإنجازات لا يمكن إلا أن يكون محط إجماع واتفاق. وهي دعوة لسكان "الفيسبوك"، لنجعل من فعل الـ"buzz" حكرا على الناجحين والمتألقين والإيجابيين، ونعمل على دعمهم وتسويقهم باعتبارهم النموذج والقدوة الذي ينبغي أن يقدم، وهي دعوة أيضا لنشدد الخناق على الرداءة التي يتم تكريسها يوميا -عن قصد أو عن غير قصد- في كل وسائل الإعلام.

ينبغي على النموذج التنموي الجديد -إن كانت غايته فعلا التنمية- أن ينحاز إلى الاستثمار في هذا الجيل الصاعد من الكفاءات الصغرى، كما أن هؤلاء الأطفال -من أمثال مريم ونظرائها المتميزين في مختلف حقول المعرفة- أحق بالأموال العمومية التي ستضخ في أرصدة الأحزاب بهدف استقطاب كفاءات يظل الحكم على حقيقة كفاءتها في علم الغيب.

إن الخوف، كل الخوف، أن تكبر مريم وتكتشف أن ما بدا لها في البداية قطعة من قطع الجنة هو في الحقيقة حفرة من حفر النار.