عندما يعوي إنسان على كلب

عندما يعوي إنسان على كلب

30 أكتوبر 2018
+ الخط -
حكى لي صديقي النجار الشيوعي أبو عمار عن ابن خاله "قاسم"، الذي عاش مع زوجته ستين عاماً دون أن يخلفا أولاداً، وكان مسروراً بحياته، لأنه كان يشكل مع زوجته "فريدة" ثنائياً كوميدياً.

وهذا الثنائي، برأي أبو عمار أحلى وأقوى من ثنائي "غوار وحسني" لدريد لحام ونهاد قلعي، وثنائي "صابر وصبرية" الذي كان يؤديه الفنانان تيسير السعدي وصبا المحمودي، وكذلك ثنائي "أبو جندل وأم جندل" لسامية الجزائري وفهد كعيكاتي.

قلت: مع الأسف أن هناك كثيرين يمتلكون مواهب تمثيلية عالية ولكنهم لم يقفوا أمام الميكروفون أو تحت الأضواء في المسرح أو السينما أو التلفزيون.


قال: وكل موقف، وكل حديث يدور بين ابن خالي قاسم وزوجته فريدة كان يتحول إلى تمثيلية ارتجالية رفيعة المستوى. مثلاً، ذات مرة، كانا يمشيان في الزقاق، وإذا بكلب كبير يكمن للمارة في زاوية الزقاق. تابعا طريقهما باتجاهه، ثم توقف قاسم، وأمسك بيد فريدة وقال لها: يا ست فريدة، أنا بدي آخد رأيك بمسألة.
قالت له: تفضل سيد قاسم.
قال: البشر اخترعوا كل شي يلزم للإنسان. واخترعوا الأسلحة، وأدوات التجسس، والأواني المنزلية، حتى أني رأيت، من كم يوم، رجلاً في البازار يبيع دواء اسمُه "أبو فاس".
قالت: شلون يعني أبو فاس؟ يعني تزوج وإجاه ولد سماه (فاس) فصار اسمه "أبو فاس"؟
قال: لا، هو مثلي ومثلك، ما بيجيه أولاد. ولكن ميزة هاد الدواء أنه يصلح لجميع الناس.

لاحظي أنتِ القافية: أبو فاس، لجميع الناس، ولألم الأضراس، ولضرب الأخماس بالأسداس.
في هذه الأثناء كان الكلب الواقف في الزاوية قد استاء- على ما يبدو- من وقفتهما الطويلة، فصار يعوي بصوت خفيض يشبه خوار ثور جائع.. ولكن ابن خالي قاسم وزوجته فريدة استمرا بالمناقشة الهادئة. قال قاسم:

- واخترع البشر، كذلك، عصارات الليمون، ولفافات اليبرق، والطناجر اللي ما بيعلق فيها الطبيخ، وإذا علق الطبيخ بيخترعوا له سائل جلي بيخليه يلمع.. واخترع مبيد الحشرات، وأفخاخ للضباع وللنمور والأسود، وبواريد الصيد اللي بتقتل العصافير والزرازير والحجل والدرغل.. والآن: شايفة هاد الكلب اللي منزعج من وقفتنا أنا وإنتِ جنبه؟

قالت: شايفته. أيش به؟
قال: وحياة محبتي لك، ومحبتك إلي، الإنسان اخترع أكتر من عشر طرق لقتله، أو إصابته بجروح، أو إجباره على الفرار من هنا، وجعله يركض ويتلفت إلى الوراء متل الكلب!
قالت فريدة: يا قاسم، يا جوزي، يا حبيب قلبي. أنا أؤيدك في كل ما ذهبت إليه. ولكن ما هي العبرة من كل هذا الحكي؟
قال: العبرة هي أنه، ومع ذلك، وعبر العصور، الكلب يعوي على الإنسان، والإنسان يخاف من عوائه.. طيب أنا عندي سؤال: ليش ما بيحصل العكس؟ يعني: ليش ما بيعوي الإنسان على الكلب، ويخليه يخاف ويهرب؟!
قالت فريدة: ها. أي فهمت عليك. وأيش رأيك نعمل تجربة؟
قال: وطي صوتك. لا يسمعنا.

وسحبها من يدها ومشيا بهدوء، وعلى نحو يوحي بأنهما يمران من هنا بشكل طبيعي، حتى إذا صارا مقابل الكلب، انفلتا بالعواء عليه، ثم انفلتا بالضحك حينما شاهداه وهو يهرب ويلتفت إلى الخلف.. متل الكلب!

دلالات

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...