عن ما يبقى وما سيمضي

عن ما يبقى وما سيمضي

29 أكتوبر 2018
+ الخط -
- "في يوم من الأيام وفي بلاد بعيدة جداً، لعلها الصين، كان إمبراطورٌ قويٌ جداً، ذكيٌ ورحيمٌ، قد استدعى حكماء مملكته جميعاً من فلاسفة ورياضيين وعلماء وشعراء، وقال لهم: "أريد جملة قصيرة تصلح لجميع الظروف والأحوال وعلى الدوام". غادر الحكماء المجلس وأمضوا شهوراً وشهوراً يفكرون. وأخيراً عادوا إلى الإمبراطور، وقالوا له: ها قد عثرنا على الجملة، إنها ما يلي: "وهذا أيضاُ سوف يمضي". ثم أردفت قائلة: "الألم والحزن يمضيان هما أيضاً، كما تمضي البهجة والسعادة".

الآن بتّ أعرف أن هذا ليس صحيحاً، سأعيش دونكِ حتى أموت، لقد منحتِني الحب من النظرة الأولى كصيغة وحيدة للوقوع في الحب (وكنتِ على حق)، كسهمٍ أصبتُ به حب الكثير من الأشياء: الفن والكتب والمتاحف والباليه. علّمتِني الكرم غير المحدود في الإنفاق، واتخاذ المواقف النبيلة في الظروف المناسبة، والحزم في القول والفعل، وعدم الشعور بالذنب، والتمتع بالحرية مع كل ما تنطوي عليه من مسئولية.... كما أنكِ وهبتني الضحكة المجنونة ومتعة عيش الحياة والانخراط التام فيها، وحب الألعاب على اختلافها، وازدراء كل ما كان يحط في نظركِ من قيمة الحياة أو يخنقها: البخل وعدم الوفاء والحسد والخوف والغباء والقسوة على وجه الخصوص. وأخذتُ عنكِ حس العدالة أيضاً والتمرد والوعي الشديد بالسعادة لحظة تصبح بين يديك قبل أن تطير من جديد.... كما أنكِ تركتِ لي العظمة. تلك القدرة على تسمية الأشياء ورؤيتها، والتسامح الحقيقي مع عيوب الآخرين ونقاط ضعفهم".

من مناجاة بين بطلة رواية (وهذا أيضاً سوف يمضي) وأمها الراحلة، الرواية من تأليف الروائية الكتالونية ميلينا بوسكيتس وترجمة نهى أبو عرقوب

- "كانت لديّ في مراحل الماضي ثقة عميقة بسيادتي على ذاتي، وبقدرتي على رؤية ما يحدث فيها، رغم عالم الهواجس والغوامض الذي يراودني، مع أن هذه الثقة لم تَغِب فهي تبدو في هذا الوقت أضعف مما كانت عليه، تمتد إليها الظلال والشكوك، بِتُّ ربما أعتقد أني سيد ذاكرتي المطلق لكن ليس كل ذاتي، وما تغير ربما حقاً أنني رغم الأهمية التي كنت أوليها دائماً للمناطق المظلمة فيّ، فقد بتّ أتساءل أكثر حول ما يمكن أن يجري فيها أو يصدر عنها مما لا يطاوله إدراكي ولا توقعي، لقد عبرت تلك المناطق عن نفسها في حالات أخيرة على نحو مستقل عني ومفاجئ كلياً لي تبدلت معه في صورة ما نظرتي إلى ذاتي".

من رواية (عبور الركام) لأنطوان الدويهي

- "فجأة يصبح سلب أتفه الحيوات، حتى لو لم تكن سوى حياة حشرة، عملاً مضنياً باعثاً على الحزن الشديد، لكن ليس ثمة ندم في هذا الحزن، ولا كآبة تتلوه بعد أن بدأ مفعول عقار الاكتئاب. إنه حزن من نوع آخر هذا الذي أشعر به الآن، أقرب إلى ما يشعر به المرء بعد قصيدة هايكو. ثمة كلمة تختزله في اللغة اليابانية لا نظير لها في أي لغة أخرى كما قرات. تُنطق مقاطعها هكذا "مونو نو أوير" وتعني: الأسى العذب على زوال الأشياء، أو العطف الناتج عن إدراك حتمية مضيّها. ها هي أول كلمة يابانية أجيدها".

من رواية (الحالة الحرجة للمدعو ك) لـ عزيز محمد

- "لولا وجود لحظات من التفاؤل غير العقلاني في حياتي لما بقيت على قيد الحياة، والأمر سِيّان سواءً تعلق الأمر بالأفكار أو بالمشاعر أو بال دي إن إي، تلك السلسلة التي يفترض أنها تشكل خصوصيتنا والتي تحب المجلات أن تستعرض شكلها الذي يشبه العقد. الكائنات التي تحيط بنا هي جزء من العناصر المكونة الكثيرة التي ترتبط بغيرها، والتي ترتبط بدورها بغيرها، والتي ترتبط هي أيضا بغيرها، خيالية، واقعية، محسوسة، أو محبوبة، في الحياة كلها، وبالطريقة نفسها فإن كل شيء يتكلم إلينا سواء بوعي أو من دون وعي وكل وجه محبوب هو مألوف لنا دون أن ندري ذلك".

من رواية (هامر كلافيير) لـ ياسمينة رضا ترجمة نزار آغري

- "أطلبُ منهم أن يحملوا قصيدة ويرفعوها عالياً في الضوء، كأنها شريحة تصويرية ملونة، أو أن يضعوا آذانها على قفيرهم، أقول لهم أن يرموا فأراً في قصيدة، ويراقبونه وهو يبحث عن طريق للخروج منها، أو أن يدخلوا إلى غرفة القصيدة، ويتحسسوا جدرانها بحثاً عن زر الإضاءة، أريدهم أن يتزلجوا على سطح القصيدة، ملوّحين لاسم المؤلف على الشاطئ، لكن كل ما يريدونه ربط القصيدة إلى كرسي وتعذيبها حتى تعترف، يجلدونها بخرطوم، لكي يعرفوا ما الذي تعنيه حقاً"

الشاعر الأمريكي بيلي كولينز من كتاب (إوزة الشتاء تنبح في السماء) ترجمة سامر أبو هواش

- "لم يعد هناك ما يكفي من الوهم لأخاف خيبة الأمل، فالعقد الأخير من هذا القرن العاصف علّمنا أن نفتح باب المخيلة لكافة الإحتمالات، وعلّمنا أنه ليس للهاوية من قرار، وعلّمنا ألا نفرح أو نغضب بما يقدمه لنا الواقع التاريخي من مفاجآت. كأن علينا أن نركّب عقلاً آخر لكي نتحمّل صدمة المفاجأت، ولكي نتكيف مع متطلبات فهم العالم الفوضوي الجديد. كل شيء إذاً مؤقت ما دام التاريخ في حالة تعويم عام، وما دام عشوائياً إلى هذا الحد. ومع ذلك، ما زال في وسعي أن أحلم، ما زال في وسعي أن أواجه صدمة الواقع بصدمة شعرية هي الوحيدة الكفيلة بتبرير حياتي. ما زال في وسعي أن أشهد على أكثر من تاريخ عشته وأعيشه في لحظة واحدة. ماذا يبقى من كل ذلك؟ لا أعرف، وربما لا أريد أن أعرف، فليس في قلبي مكان لطعنة جديدة، لا أريد أن أرى بعينيّ سقوط ما كتبته على الورق وعلى الجدران وعلى الهواء، لا أريد أن أرى أكثر مما رأيت من خيبات الأمل، ولعل ذلك هو ما تبقى لي من أمل: أن أحصّن نفسي ضد الخيبة. أما العائدون فإنهم عائدون، بقصيدتي أو بغير قصيدتي".

محمود درويش من كتاب (أنا الموقع أدناه) بحضور إيفانا مرشيليان

- "أعتقد أن ما يهم الإنسان ليست الأفراح الكبرى لكن المسرات والمتع الصغيرة التي تصنع الشيء الكثير، لقد اكتشفت السر الحقيقي للسعادة يا والدي، وهو أن تعيش في الآن وتهتم فقط باللحظة الحاضرة. لا تندم على الماضي أو تعمل حساباً للمستقبل، لكن عليك أن تحصل على أكثر ما تستطيع من هذه اللحظة الحاضرة التي تعيش فيها. سأحاول أن أسعد بكل ثانية في حياتي، وسأعرف أنني أتمتع بها أثناء تمتعي بها فعلاً. إن معظم الناس لا يعيشون، إنهم يتسابقون ويجرون، إنهم يحاولون الوصول إلى هدف يلوح بعيداً في الأفق، ومن خلال حرارة الجري ولهاث الأنفاس يفقدون كل قدرة على الرؤية الصحيحة للأرض الجميلة الهادئة التي يمرقون خلالها، ثم بعد ذلك فإن أول شيء يدركونه ويحسون به فعلا هو أنهم بلغوا أرذل العمر وأن التعب قد أضناهم، ولا يهم بعد ذلك إذا كانوا قد بلغوا أهدافهم أم لا، إنني قررت أن أجلس وأتمهل في الطريق وأنهمك في جمع وتكويم نتف من المتع الصغيرة حتى ولو لم أصبح كاتبة كبيرة".

من رواية (أبي طويل الساقين) للكاتبة الأمريكية جين وبستر ترجمة سمير محفوظ بشير
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.