"الصقر"... وأيام الزمن الجميل

"الصقر"... وأيام الزمن الجميل

26 أكتوبر 2018
+ الخط -
سبق أن زرت الدوحة، العاصمة القطرية البهية القريبة إلى قلبي، لأوّل مرّة، في ربيع عام 2006، التي كانت مجرد حلم وردي يراود فيض أحلامي، ومنذ الصغر، والتقيتُ على إثرها عدداً من الزملاء العاملين في مجلة "الصقر" الرياضية الحبيبة قبل استصدار قرار حجبها، للمرة الثانية، وبصورةٍ نهائية مع نهاية الربع الثالث من عام 2007.

وفي صيف ذلك العام شاءت الظروف أن يلمّ شمْلَنا مع كوكبة من نجوم الصحافة الرياضية، لقاء جميل وسار، طالما أُتْحِفنا به بقيادة المايسترو، الأستاذ طيّب الذكر، سعد محمد الرميحي رئيس التحرير المسؤول، حينذاك، الذي لم يتغيّر كما هو حال الزمن المتغيّر الذي غيّر الكثير من النفوس، وطبائع الأشخاص الذين طالما نلتقيهم وأمزجتهم، وقد يضطّرك واقع الحال إلى تغيير جلدك، لم لا!.

نعم هو التغيير، وهذا التغيير بحد ذاته هو أسطوانة العصر المتغيّر الملامح! كما هو حال الأغنية العربية التي تراجعت، وبشكلٍ مرعب، وحتى مخيف، بعد أن كانت صرخةً مدويّة في الآفاق، وفي عالم جميل وأخّاذ، بدءاً من النجمة المبهرة، طيّب الله ثراها، أم كلثوم، وانتهاءً بـ عبد الحليم حافظ، محمد عبد الوهاب، فريد الأطرش، شادية، صباح، فايزة أحمد، نجاة الصغيرة، وردة الجزائرية... والقائمة تطول، ونتلمّس من خلالهم صلة الوصل، والرابط الحقيقي لهؤلاء النُخبة، الكبار، مقارنةً بذلك مع نجوم الكرة أيام زمان الذين طواهم الزمن، ووضعهم ــ وللأسف ــ على الرفّ، بالرغم من أنَّ ذكراهم ما زالت باقية إلى اليوم، ولا يمكن بحال نسيان نجومها الكثر الذين حفروا أسماءهم بأحرفٍ من ذهب علم الرياضة العربية المتفوّقة من خلال مشاركاتها المتفرّدة في بطولة كأس العالم عام 1978، التي أقيمت في أميركا الجنوبية بالأرجنتين، ومثّل العرب آنذاك المنتخب التونسي، الذي كان لنجومه الكبار بريق لافت، وتابعهم وبشوق عشّاق الكرة المستديرة، ومن أبرز نجومها الذين شاركوا في حينها: تميم الحزامي، طارق ذياب، حمادي العقربي، علي الكعبي، مختار ذويب، خالد القاسمي، محسن العبيدي، نجيب غميض، نجيب الإمام، عمر الجبالي، والحارس الفذّ الصادق ساسي "عتوقة"، بالإضافة إلى الحارس الاحتياط الذي لفت أنظار الجميع مختار النايلي.



وفي هذا الإطار، لا يمكن أن ننسى نجوم كرة القدم العربية في عصرها الذهبي الذي يمكن أن نطلق عليه عصر "الزمن الجميل"، بمعنى آخر أنّه ما بين عامي 1978 ــ 1990 كانت قمّة الفرحة العربية، والقفزة الحقيقية لها بظهور العديد من الأسماء اللامعة التي لا يمكن لها أن تغيب عن الذاكرة، أو ننساها، ومنهم: منصور مفتاح، مبارك عنبر، حسن القاضي، عنبر بشير، محمد دهام "قطر"، جاسم يعقوب، فيصل الدخيل، حمد بو حمد، أحمد الطرابلسي، عبدالله معيوف، فاروق إبراهيم، عبد العزيز العنبري، مؤيد الحداد، يوسف سويد "الكويت"، محمود الخطيب، حسن شحادة، فاروق جعفر"مصر"، ماجد عبدالله، صالح النعيمة، أحمد عيد، فهد خميس "السعودية"، عبد الغني طاطيش، هيثم برجكلي، حسين نعّال، مروان قسطلي، شاهر سيف، كيفورك مارديكيان "سورية"، مجبل فرطوس، حسين سعيد، رعد حمّودي، واثق أسود، فلاح حسن، علي كاظم، هادي أحمد، دوكلس عزيز، ناظم شاكر، عدنان درّجال "العراق"، حمّود سلطان "البحرين"، الأخضر بللّومي، رابح ماجر، صالح حصاد، جمال زيدان، رفيق حليش، "الجزائر"، عزيز بو دربالة، بادو الزاكي، أحمد فرس، طلال القرقوري، مصطفى الحداوي "المغرب" و.. وأسماء أخرى كثيرة، وكثيرة جداً.

مجمل هذه الأسماء الكبيرة اللامعة التي ما زالت الذاكرة تحتفظ بها طواعيةً دون إكراه أو إلزام، وإنما مجرد ذكر كرة القدم، فإنَّ هذه الأسماء وغيرها يبقى لها وهجها الخاص والمفرح.
وإذا ما حاولنا ــ على سبيل المثال ــ أن نتذكر بعض الأسماء التي شاركت في بطولة كأس الخليج العربي 2014 وهي النسخة الثانية والعشرون من بطولة كأس الخليج العربي لكرة القدم، التي استضافتها مدينة الرياض، السعودية، في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، وذلك بعد قرار من رؤساء اتحاد الكرة الخليجية بنقل البطولة من مدينة البصرة إلى مدينة الرياض بسبب عدم استعداد العراق للاستضافة، ومشكلة الأمن في البلاد.. وقد حل المنتخب القطري بالمركز الأول، تلاه المنتخب السعودي بالمركز الثاني، فالإماراتي في المركز الثالث، وكذلك الحال بالنسبة للبطولة ذاتها التي احتضنتها الكويت في الفترة من 22 ديسمبر/ كانون الأول 2017 إلى 5 يناير/ كانون الثاني 2018. كان من المفترض أن يستضيف العراق هذه البطولة إذا رفع الاتحاد الدولي لكرة القدم حظر لعب كرة القدم في البلاد، وفاز ببطولتها الفريق العُماني، فإنَّ الذاكرة، بالتأكيد، تخونك وتقف عاجزاً عن ذكر بعض الأسماء المشاركة، والنتائج التي انتهت إليها المباريات التي أقيمت، على الرغم من أنَّ البطولتين لم يَفُت عليهما زمن طويل منذ طويت صفحاتهما، والسبب في ذلك هو أنَّ الرغبة حيال هذه المسألة خفّت كثيراً جداً، وهذا الانحدار العجيب أسبابه، بالتأكيد، معروفة بسبب خلو الساحة العربية من حبّ كرة القدم بالشكل الذي انطلت عليه أيام زمان، وغياب العشق الحقيقي الذي كان يفرضُ نفسه، وبرغبة ذاتية، خالية من أي مكسبٍ مادي.

فالاهتمام كلّه كان منصباً على المشاركة واحترام اللعبة، وايلائها اهتماماً مميزاً، بغض النظر عن وجود الملاعب الترابية والحفريات، التي تجدها متناثرة هنا وهناك في ساحة الملعب، وغياب التخطيط عن الإطار الذي يُحدّد حواف ملعب الكرة، وقد تضطّر إلى متابعة المباراة تحت ظرف حار جداً، أو بسبب الطقس البارد، وقد يكون ممطراً وموحلاً، بغياب أبسط مقوّمات اللعبة!.

أما اليوم، فرغم توافر كل شيء، فإنَّ الرغبة في حضور أحد شوطي المباراة نجدها تقلّصت كثيراً عن السابق، ويكتفي المتفرجون بالوجود لفترة زمنية قد تطول إلى ثلاثين دقيقة، وقد تقصر إلى أقل من ذلك، بمجرد مشاهدتها فقط! ومن ثم الالتفات إلى الوراء، والعودة إلى رؤية فيلم سينمائي، أوDVD، أو التنزّه والسير مع رفاق السوء، وارتداء زي الموضة المتعفّنة، وضياع الوقت بدلاً من استثماره في أشياء مهمّة.

هكذا هي حال كرة القدم العربية، وجمهورها العاشق ولاعبوها، ونجومها الكبار الذين قضوا أجمل أيام العمر. وقضينا نحن أحلاها مع نجوم "الصقر"، وعشاقها الكثر الذين ما زالوا يحلمون بعودتها إلى الساحة الرياضية القطرية الخصبة، كما كانت أيام زمان صورة مبهرة، بقيادة المايسترو الأستاذ سعد الرميحي، ومحرريها اللامعون الذين ما زالوا في الذاكرة، ومنهم: بدر الدين حسن، فايز عبد الهادي، مجدي زهران، بدر الدين الإدريسي، محمد بنيس، جمال هليل، ظافر الغربي، محمد الجزولي، عبد الرحمن البكري، مصطفى بدري، أحمد الأمين، محمد حنفي، أيمن جادة، ملكون ملكون. والقسم الفني برئاسة الفنان عماد البرقاوي، عماد السيلاوي، ناصر حامد، أحمد نصري، عباس محمد حسين "مخرج فني"، سلمي أبو جزر، علي صالح، عمر محمد، والمدققان مصطفى خطّاب وحمدي زين العابدين.
ومن كتابها، نذكر: فيصل شيخ الأرض، سعيد القضماني، فؤاد حبش، سمير الشيخ، حسن المستكاوي، عبد الحكيم قزيز، عبد الله العجمي، محمد الشيخ، عبد الكريم بيبي، محمد رضوان مارديني، وليد رمضان، عبد الكريم النجفي، مجدي جادو، أشرف الهندي، محمد صادق السامرائي، فضلاً عن مراسليها ومنهم: فيصل صالح، جمال عبد الحميد، سامي سليمان، عادل شريف، محمد العولقي، صلاح بلعيد، علي رياح، طلال العولقي، رضوان علي الحسن، جمال طربين، عبد الكريم البليخ، عوض محمد بافطيم، يحيى السويد، إبراهيم وسوف، عثمان عمرو الغتنيني، صالح الساري، عمر الوفدي، جمال سعيد التميمي، عمرو زكي البوطيبي، فضلاً عن قرائها الذين أصبح البعض منهم اليوم من ألمع الكتاب، وأثروا صفحاتها بمقالاتهم المشوّقة، ونجحوا في تحليق "الصقر" التي دوّت في الآفاق واكتسبت شهرة متفرّدة لم تصل إليها أية مطبوعة رياضية عربية، حتى إنّ عدد ما كان يُطبع ويوزع منها أسبوعياً تجاوز الــ 120 ألف نسخة، وهذا الكم لم يكف بسبب تزايد الطلب المستمر عليها، وبصورةٍ خاصة، في كل من العراق وسورية والجزائر ومصر، والحاجز الأكبر هو مشكلة الشحن التي ظلّت العقبة الكأداء حيال كل ذلك ما حال دون وصول الكمية التي كانت إدارة المجلة تطمح إلى الوصول إليها ولم تحقق رغبة عشاقها، وما أكثرهم. ورغم الجهد غير العادي الذي بذل حتى تمكنت الإدارة من إصدار355 عدداً، فضلاً عن الأعداد الخاصة التي بذل فيها جهد مضاعف!.

فأين يكمن موقع "الصقر" حيال هذه الصور التي عودتنا على البحث عن الجديد المفيد من خلال كوكبة نشطة من المحرّرين والفنيين، وهذا يقودنا إلى حال الغداء الفاخر الذي فزنا به، الذي تشرف بإحضاره زميلنا العزيز منصور الشيخ، المحرر العام في نهاية يوم الخميس، في آخر أسبوع قبل مغادرة الدوحة، بعد أن أنجز، والزميل مبارك عمر سعيد، سكرتير التحرير، طيب الله ثراه، ملزمات العدد الـ: 16 وأودعاها المطبعة لتصبح جاهزةً للشحن يوم الجمعة، ولتكون بين يدي القارئ مع إطلالة صباح كل يوم ثلاثاء.

ودعنا "الصقر"، بأكل السمك وشراب التمر هندي في بهو ساحتها الرئيسة، قبل مغادرة مبناها، متأسفين على غيابها الذي طوته الأيام، وما زلنا نحنُّ إلى الصقر، المجلة التي أشبعت ذائقتنا، وأفردت صفحاتها للقارئ العربي في كل مكان، فأثبت نجاحاً قلَّ نظيره، وها نحن اليوم، ومعنا الكثير ممن أحبوا الصقر، باتوا يرجون عودتها، ويأملون تصفّح صفحاتها التي صارت، وللأسف، في طي النسيان رغم المكانة التي أثبتتها... ونعلنها، صراحةً، وبلغة الحب بعيداً عن المفاخرة، أنها جعلت من قارئها مثقفاً رياضياً بامتياز.

دلالات

6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.