اغتيال الرفيق "أبو الفردين"

اغتيال الرفيق "أبو الفردين"

23 أكتوبر 2018
+ الخط -
حكيت لكم، في تدوينات سابقة، عن صديقي المنحوس "أبو سلوم" الذي استلم مسدساً من المكتب العسكري بفرع حزب البعث بإدلب، خلال الثمانينات، وأصبح يُلَقَّب (أبو الفَرْدين)!..

هو استلم المسدس، بعدما شرح لمعلمه الرفيق "أمجد" وجهة نظره القائلة بأنه رفيق بعثي، وأن الولايات المتحدة الأميركية زعيمة الإمبريالية العالمية والدول التي تسير في فلكها، والصهيونية العالمية، والرجعية المحلية، يحيكون، بشكل دائم، مؤامرة على صمود سورية البطلة، المعادية لهذا المحور (الصهيوني الإمبريالي الرجعي)، ولأن سورية البطلة يقودها حزب البعث العربي الاشتراكي، فإن الشيء الطبيعي أن يكون الحزبُ مُسْتَهْدَفَاً، وبما أن "أبو سلوم" يعمل بصفة آذنٍ في فرع الحزب، فهو، بالتالي، مُسْتَهْدَفْ..

ضحك الرفيق "أمجد"، عضو الفرع، عندما سمع هذا الكلام الـ (اخرطي) من الآذن "أبو سلوم"، وقال له:
- أنت، يا عين عمك، تعتقد أن هذا الثلاثي (الصهيوني الإمبريالي الرجعي) غبي، وبهيمة، وطَشَنة إلى درجة أن يباشر مؤامرته على سورية وحزب البعث بقتل آذن يعمل في فرع "اخرطي" مثل فرع إدلب، وفي مكتب عضو فرع "اخرطي"، من أمثال حضرتي أنا..
لم يكن "أمجد" يعرف، أو يتوقع، أن ثقافة آذنه الرفاقية قد تطورتْ خلال تقديمه الشاي والقهوة والزهورات لضيوفه خلال هذه المدة القصيرة. لذلك فوجئ بجوابه المسهب، إذ راح أبو سلوم يقول إن المؤامرة كلٌّ لا يتجزأ.. وأصابع اليد الواحدة ليست متساوية في الطول والأهمية.. وأن الحجر التي لا تعجبك يمكنها أن تشجّ رأسك، وتصبح أنت في حاجة لمن يحملك في سيارة الإسعاف إلى قسم الاستقبال في المشفى الوطني، ويخيط لك الجرح.. وبالتالي فإن الرفاق البعثيين أنفسهم ليسوا في سوية واحدة من الأهمية، وإن وجود رفيق بعثي في منصب ما لا يعني أنه أذكى وأفهم وأكثر ثقافة والتزاماً من عشرات الرفاق المغضوب عليهم، وهكذا فإن المحور (الصهيوني الإمبريالي الرجعي) حينما يقرر، ضمن سياق المؤامرة الكبرى، اغتيال رفيق بعثي، في محافظة إدلب مثلاً، فقد يترك أمين الفرع، وأعضاء الفرع، وأمناء الشعب الحزبية، وأمناء الفرق الحزبية، كلها، ويغتال آذناً يعمل عند عضو فرع ممن يسميهم الرفيق أمجد الـ "اخرطي"!

كان الرفيق أمجد، وهو يستمع إلى هذا الحديث العجيب، جالساً، فوقف فجأة، وقال لأبو سلوم:

- طيب يا أبو سلوم، أنا أعطيتُك مسدساً واحداً لتدافع فيه عن نفسك ضد المتآمرين، والآن سأعطي أمراً للمكتب العسكري بأن يسلموك مسدساً آخر، لتصبح "أبو الفردين" بحق وحقيق، شريطة أن توضح لي كيف يمكن للجهات المتآمرة الثلاث أن تترك المسؤولين الكبار في الحزب والدولة وتغتالك أنت؟

قال أبو سلوم: لو اغتالوني أنا، يا رفيق، فإنهم يضربون عشرين عصفوراً بحجر. فعندما يذيع خبر اغتيالي بين الناس سيبدأ كل مَنْ هب ودب بتقديم التحليلات والتوضيحات، وأهمها قولهم: هادا أبو سلوم واحد خطير، وصحيح هو آذن، ولكن من المؤكد أن له علاقات على مستوى عال مع القيادات العليا، وأبو سلوم لو كان هو يريد لعينوه أميناً للفرع، أو عضواً فيه، ولكنهم دسوه في الفرع من تحت لتحت، ليقوم بمهمته التجسسية دون أن تلفت إليه الأنظار.. وسيقال أيضاً: إن مخابرات الدول المتآمرة ذكية وعرفت مَن هو غريمها. يعني، لا تواخذني، كل الرفاق سيكونون (اخرطي) ما عداي أنا!

ضحك أمجد وقال: أشو؟ لهاي الدرجة؟! والله معقولة.

ضحك أبو سلوم وأضاف: بتعرف يا رفيق مين أكتر إنسان في العالم راح يتأثر من عملية اغتيالي؟
قال أمجد: مين؟
قال أبو سلوم: مرتي! طول عمرها ما بتحبني، ولا بتطيقني، ولا بتحترمني، لاكن لما راح تشوف كل هذا الاهتمام باغتيالي، أكيد بدها تندم، ويمكن تصير تحبني.. ولكن، بعد فوات الأوان للأسف.

دلالات

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...