تقرير أمني بحق "أبو دعاس"

تقرير أمني بحق "أبو دعاس"

02 أكتوبر 2018
+ الخط -
أبدى أبو دعاس إعجاباً كبيراً بسرعة البديهة التي يمتلكها شريكه أبو الجود.. وقال له، بعدما تناولا الطعام في ضيافة الحاج محمود، وخرجا إلى الشارع:

- بصراحة يا أبو الجود أنا عقلي مُطَعَّم على عقل جحش، والله لو أنني مت من الجوع فعلاً لما خطرت لي فكرة إقناع الجار الحاج محمود بإطعامنا. فأنا وأنت نشتغل لمصلحة دائرة حكومية (البلدية)، حيث كنا ندهن الحائط الكبير في الساحة الرئيسية، لكي يأتي الخطباء من قيادات الجبهة الوطنية التقدمية وكل واحد منهم يستل ورقة أكبر من ملحفة اللحاف ويظل يمدح حافظ الأسد حتى تتعرق المناطق الحساسة في جسده.. و..

قاطعه أبو الجود قائلاً: وطي صوتك أحسن ما يسمعك أحد كتاب التقارير ويكتب بحقك تقرير أكبر من ملحفة اللحاف، وعلى أثرها بياخدوك إلى شي معتقل ينام فيه المعتقلون على الأرض دون لحاف أصلاً..


انفلت أبو دعاس بالضحك وقال له: لا تخف علي، لما بيعرفوا أني بهيمة، وعقلي مُطَعَّم على عقل جحش بيعفوا عني.. المهم أنت كيف خطرت لك فكرة أن تقول للحاج محمود إني أنا شريكك، وإني أكاد أموت من الجوع، وإني إذا مت سيكون الإثم عليه، لأن بيته قريب ومليء بالأطعمة؟

قال أبو الجود: هذه تعلمتها من حكاية قديمة عن رجل ذهب لزيارة صديق له في مدينة بعيدة، ولم يكن في ذلك الزمان وسائل اتصال سريعة، وعندما وصل فوجئ بأن صديقه مات منذ أشهر، واستقبله ابنُ صديقه بوجه ناشف، وصار يحك مؤخرته ويحكي له عن سوء الأحوال المعاشية التي تمر بها الأسرة بعد وفاة المرحوم، وبعد جهد جهيد قدم له طعاماً بائساً خالياً من الدسم. أثناء تناول الطعام أراد الضيف أن يبعث النخوة في نفس الفتى، فقال له: الله يرحم أباكا.. كان يذبح الدياكا.. الله يحميه من الإجحاف.. كان مولعاً بذبح الخراف.
سأله أبو دعاس: وهل انتخى؟

قال: لا أبداً. بل انتظره حتى شبع، وطلب منه المغادرة. ولكن، يا شريكي، ليس كل الناس سواسية، فالحاج محمود حينما نَخَّيْناه انتخى، ودعانا إلى البيت، وأطعمنا على الأربع والعشرين قيراط.

قال أبو دعاس: ولكنني، بصراحة، منزعج منه. يضرب في شكله ومنظره شو بخيل.. هل هذا طعام يقدم للضيوف؟ كان بإمكانه أن يذهب إلى السوق القريب ويأتي بكمية من لحم الخاروف الطرية، ويقليها مع بعض بيوض الدجاج، ويضع بجواره صحناً من لبن الغنم الخاثر.. وبعد الطعام يقدم لنا شوية حلويات، ويسقينا كأساً من الشاي الخمير..

فنجر أبو الجود عينيه من شدة الدهشة وقال لأبي دعاس: أنت عم تحكي جد؟
قال: نعم. طبعاً أحكي جد.
قال أبو الجود: الله لا يعطيك العافية أي أبو دعاس كم أنت قليل ناموس.
قال أبو دعاس: ليش؟
قال أبو الجود: لأن الحاج محمود في الأساس لا علاقة له بنا. أصلاً نحن لا نعمل عنده. فلو تركك تموت من الجوع فعلاً، أو أن تأكل صندويشة فلافل ناشفة من دون لبن رائب، مَن الذي كان سيلومه؟ وحينما قلنا له: مرحبا يا حاج محمود، لو أنه أدار ظهره ولم يرد علينا، أو أنه تجرأ وقال لنا: ورصاصة في عينك وفي عين شريكك.. انقلعوا من هون.. هل كان بإمكان أحد أن يلومه؟ أكرر فكرتي: يا أبو دعاس أنت قليل ناموس. وكل ما قلتَه اليوم غلط عدا عبارة واحدة.
قال أبو دعاس: أية عبارة؟
قال أبو الجود: العبارة التي اعترفت لي فيها بأن عقلك مُطَعَّم على عقل جحش!
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...