أبو سلوم في فرع الحزب

أبو سلوم في فرع الحزب

19 أكتوبر 2018
+ الخط -
حدثني صديقي "صلال" الملقب "أبو سلوم"، عن زيارته الأولى لفرع الحزب بإدلب. وقال لي إن ذلك المبنى الذي يتوسط الجانب الشرقي من شارع القصور كان يشكل، بالنسبة إليه، حالة غامضة، ومخيفة.. مثل فروع المخابرات تماماً. 

قلت له: وأنت ما علاقتك بفرع الحزب يا أبو سلوم؟ طول عمرك وأنت بعيد عن السياسة والسلطة. 

قال: القصة قديمة، تعود إلى أيام الشباب. فأبي، رحمه الله، كان لا يترك أحداً من معارفه إلا ويطلب منه أن يتدبر لي عملاً، ويوضح لهم أن ابنه، يعني أنا، ولد منحوس، داشر، طول النهار يركض مع الكلاب في الأزقة والشوارع، ثم إن الكلاب تنام في النهار، ويبقى ابنه، يعني أنا، يفتل في الأزقة وحده، وكأنه: (كلبٌ مناوب)!      

قلت له: والله والنعم منك ومن أبيك المرحوم.

قال: المهم، في الثمانينيات، أعيد تشكيل فرع حزب البعث، ونزلت الأسماء من القيادة القطرية، وكان بينها اسم الرفيق "أمجد"، وهو من أقاربنا، وعلى الفور ذهب أبي إلى بيته لتهنئته، وطلب منه أن يتدبر لي، أنا ابنه الداشر، عملاً. فقال له الرفيق أمجد: تكرم عينك يا حاج سلوم. قل لابنك "صلال" أن يأتي إليَّ في فرع الحزب غداً بعد الساعة العاشرة. وأنا سأضع اسمه على الباب.

وقال: كان باب فرع الحزب، في تلك الأيام مثل فروع المخابرات، أمامه أكياس رمل يختبئ خلفها مسلحون يوجهون فوهات بنادقهم نحو المدخل، والمدخل لا يمكن أن يعبره أحد باستثناء الرفاق الأعضاء، والمتفرغين في الفرع، والزوار الذين يُسمح لهم بالدخول بطلب من أمين الفرع أو أحد الأعضاء، وتوضع أسماؤهم عند موظف الاستعلامات عند الباب. 

المهم أنني دخلت لمقابلة الرفيق أمجد. بصراحة؟ الرجل استقبلني ببشاشة، وبعدها جلسنا متواجهين وصار يسألني عن إمكاناتي ومؤهلاتي العلمية.. وحينما وجد أنني أصبحت على وشك أن أضحك غصباً عني، ضحك هو أيضاً، وقال لي: 

- أنا بعرف أن ما عندك مؤهلات علمية، ولكن سألتك لأني اعتقدت أنك كنت تذاكر من ورانا! 

قلت له: أنا ما بذاكر، لا من ورا، ولا من قدام، ولا من الأطراف، والحقيقة أنني (عَتْرَست) في الصف الرابع الابتدائي متلما (يعترس) كديش ضعيف يعلق في طين ضيعتنا، ومعلمي في الصف الرابع، الأستاذ عبد الله؛ المعروف بالصبر والتحمل والمقدرة على الأخذ والرد، سألني في درس الجغرافيا: أين تقع ضيعتنا؟ فأنا ضحكت وقلت له: تقع؟ هل ضيعتنا معلقة في الهوا حتى (تقع)؟! فضحك رفاقي التلاميذ، وأما الأستاذ فصار ينتف شعره.. وترك المدرسة، وراح لعند والدي راكضاً، وقال له: يا حاج سلوم، نحن أولاد بلد، وأبناء حارة واحدة، حتى إنه يوجد نوع من القرابة بيني وبينك، ولذلك، وبموجب الأخوّة والصداقة والجيرة، أريد منك أن تتخذ قراراً لا رجعة بعده بسحب ابنك "صلال" من المدرسة، لأنه صلال صاير مثل ذَكر النحل، يأكل العسل، ويضايق المكان، ولا يُسْتَفَادُ بفلس. 

وأبي دقته الحماسة وأمرني أن أترك المدرسة.

قال الأستاذ أمجد: ومع ذلك أنا أريد أن ألبي رغبة والدك وأشغلك عندي. أخي، من الآخر، هل تجيد غلي الشاي والقهوة وتقديمها للضيوف؟

قلت: طبعاً.

قال: خلص، أنت أصبحت الآذن (الفراش) الرسمي لهذا المكتب. 

قلت لأبو سلوم: أشو هالحكي؟ اشتغلت آذن؟

فضحك وقال: لما كنت بالفرع كنت أسمع الرفاق يقولون (كل واحد لازم يشتغل بمؤهلاته العلمية). وبصراحة يا أستاذ أنا اشتغلت بمؤهلاتي العلمية. ويمكن هاد المبدأ لم يطبق إلا عَلَيّ. كان هناك أناس مثلي، لم يمتلكوا أي مؤهلات، يشغلون مناصب كبيرة، حتى إن أحدهم كان عضواً في الفرع نفسه، وكان لديه آذن يحمل الشهادة الثانوية!

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...