التأليف الكوميدي ومفك البراغي

لستُ أدري من أين تعلّم أبو الجود العمليةَ التي يسميها (التأليف الكوميدي الواقعي). قال لي إن الإنسان يستطيع أن يهيئ الظروف لحدوث تمثيلية كوميدية، ثم يجلس ليراها أو يتخيلها، وهي تجري على أرض الواقع، وفي هذا، لو علمتَ، متعة لا تجارى.

ضرب لي مثلاً بقصته عندما وافق على خطوبة السيدة المطلقة "فتحية"، وقال لصديقه "أبو قدور" إنه رجل مقطوع من شجرة، ليس له أخ ولا عم ولا خال، ولذلك، إذا أراد أبو قدور أن يُكمِل معروفه فليصطحب معه أخاه "أبو كرمو" ويذهبا إلى بيت "الحاج محمد"، والد العروس السيدة "فتحية"، ويطلباها له على سنة الله ورسوله.

قلت لأبي الجود: بالفعل أنت ذكي، بل ومبدع، ويا ليتك تدخل عالم الكتابة وتشتغل في ميدان تأليف الأعمال الكوميدية. إن الجانب الفكاهي في هذا الاجتماع المرتقَب لا يمكن أن يغيب عن أي شخص يعرف الشخصيات الأربع المذكورة.. فأبو قدور وأخوه أبو كرمو يحبان الحكي، وإذا اجتمعا معاً تقع حوادث تصادم بينهما، فكل واحد يريد أن يحكي قبل أخيه، بينما الحاج محمد والد السيدة "فتحية" رجل عاقل، مهذب، قليل الكلام، يتمنى أن يؤذن العشاء لكي يصلي وينام ليستيقظ في الصباح الباكر ويذهب إلى عمله بنشاط..

" عفواً. أنا مضطر أن أذهب إلى النوم. عندما تنتهي حكاية مفك البراغي بالسلامة يمكنكما المغادرة من هنا. من الباب، وهو لا يحتاج إلى قفل فهو يقفل من تلقاء نفسه "

قال أبو الجود: صحيح جداً. وبالإضافة لما ذكرتَه أنت؛ هناك حديث يحبه أبو قدور وأخوه أبو كرمو حباً جماً، وهو حديث "مفك البراغي" الذي ورثته أسرتُهم عن والدهم المرحوم الذي اشتراه من بيروت في السبعينيات، وهو مفك براغي عجيب له رأس متحرك، وعدد من الوصلات، فأنت تنظر إلى البرغي الذي تريد فكه أو تثبيته، وتأخذ "الرأس" الذي يناسبه من العلبة، وتثبته في مقدمة المفك وتعمل.

قلت: وما هي حكايته؟
قال أبو الجود: يحكي الأخوان حكايته عندما استعاره أخوهما أبو حسن، ثم ادعى زوراً وكذباً أنه ضاع منه في البستان.. ومن يومها وقع زعل حاد بينهما وبين أبي حسن. ولكن هذه القصة لها ذيول وتفرعات ويمكن أن يتحدثا بها خمس ساعات متواصلة.. وهذا ما حصل عندما ذهبا ليخطبا لي السيدة "فتحية"، فالحاج محمد والد فتحية، استقبلهما وهو يمتلك فكرة مسبقة أنهما جاءا لطلب ابنته لأجلي، وقد جلس يتبادل معهما عبارات المجاملة منتظراً أن يخش أي منهما في الموضوع الجوهري، وهو موضوع الخطبة، ولكن سيرة مفك البراغي أنستهما الموضوع، والحاج محمد شرع يتثاءب وتدمع عيناه من النعاس.. إلى أن خطرت له فكرة، فاستوقفهما وقال لهما:

- عفواً. أنا مضطر أن أذهب إلى النوم. عندما تنتهي حكاية مفك البراغي بالسلامة يمكنكما المغادرة من هنا، من الباب. وهو لا يحتاج إلى قفل فهو يقفل من تلقاء نفسه. لأن فيه ميزات، مثل المفك، وأكثر..

ومشى نحو الداخل، وقبل أن يغادر:
- وبالنسبة لبنتي فتحية رافضة موضوع الزواج رفضاً كاملاً. وخاصة من هاد المدعو "أبو الجود"!

وغادر إلى الداخل. في اليوم التالي حكى لي أبو قدور القصة، ثم سألني:
- هل لديك فكرة عن باب الدار الذي يقفل من تلقاء نفسه؟! قسماً بالله أعجوبة!