ماذا ستعلمك العشرينات؟

ماذا ستعلمك العشرينات؟

16 أكتوبر 2018
+ الخط -
عند خروجنا من عباءة الوالدين إلى المجتمع، يتسلل إلينا شعور مبهم بالهزيمة والإحباط وكأنما العالم يرسم مؤامرة تترصد نجاحاتنا بعنجهية لا مثيل لها. قد نعزو هذا الشعور لأسباب فعلية متعددة: لا شيء يصل إلينا بالسرعة المطلوبة، لا شيء يحدث كما يجب، ليس هذا المكان الذي نستحقه ولا هذا الوضع الذي يناسب أحلامنا. وقد نتساءل "أوليس من المفترض أن تكون العشرينات أفضل مرحلة في حياتنا؟" وفي الحقيقة لا يوجد سبب لهذا المعتقد السائد إلا الانطباعات القادمة من الطفولة.

في الطفولة لم نتعب لأجل الحصول على ما نرغب بفضل والدينا ورعايتهما لنا، فإذا بكيت أو جعت أو تعبت هناك من يمنحك ما تريد ويفهم ما تحتاج حتى دون أن تطلب. أما الآن، فقد خرجنا من الشرنقة، وعلينا تعلم الطيران، والنهوض بعد الوقوع والإصابة أمر حتمي ونحن نركض إلى الأماكن التي اخترناها لأنفسنا. خروجنا من جنة والدينا إلى العالم ترك انطباعاً بأن العالم سيكون رؤوفاً رحيماً علينا، تماماً كما كان والدينا. لكن ومع مرور الوقت، تتعلم أنك ترى العالم ولا يراك، وأن عليك أن تعمل كل ما بوسعك لأن تجعله يراك ويمنحك ما ستفعل كل ما يجب كي تستحقه. وبينما أنت بصدد ذلك، ستتعلم بعض الأمور:

لستَ محط الأنظار
هناك نظرية معرفية تشير إلى أن الشاب (23-17 سنة) يعتقد بأنه محط الأنظار لأنه مميز أو مختلف (الأسطورة الشخصية) وذلك نتيجة اعتقاده بمراقبة من حوله له (الجمهور الوهمي)، والذي يتابع حركاته وسكناته ويقوم بتقييم شكله وشخصيته وأفعاله. هذه الظاهرة تختفي مع الوقت لأنها تخدم تعزيز شعور الفرد بذاته عند انخراطه بمحيطه والمجتمع واستقلاله من هويّة والديه.


حزنك المبهم وشعورك بالوحدة لا يعني أن هناك خطأ
نحن كائنات وحيدة، وهذه هي الحقيقة الأصدق لمحنة وجودنا على هذا الكوكب. سيعيش الواحد منا السعادة والفرح والنجاح، ولكن عليه أن يعيش قدراً من الحزن أيضاً. لكن في الشباب تكون العواطف جامحة، فالحماس والسعادة والحزن والتعاسة كلها عارمة وجارفة، وتخبو مع الوقت. ستتعلم أنه ليس بامكانك قبول شعور ورفض شعور آخر. أيضاً، ليس هناك من هو أسعد حظاً منك، وإن وجدت من هو أسعد منك فلأنك تنظر إليه من زاوية تجعله يبدو كذلك.

لا يمكن التنبؤ بالمستقبل، حتى مستقبلك
عندما كنتَ طفلاً منحتك الأسرة الشعور بأن مستقبلك بيدك ولذلك عليك أن تجتهد لتصل وإن لم تصل فأنت لم تجتهد كما يجب. ستتعلم بأن الحياة لا تمنحك هذا القدْر من السيطرة على القدَر، وأن ما تفعله يحافظ عليه الحظ ودعوات والدتك، لأن الحياة بإمكانها أن تركل كل ما بنيته إن هي أرادت. لا قدرة لك على السيطرة على تقلبات الحياة ولكن لديك القدرة على السيطرة على نفسك وردات فعلك، فإذا ركلتك فعليك أن تقف وأن تبدأ من جديد دون أن تتذمر طويلاً. لذلك عليك أن تقوّي شخصيتك لأن هذا ما سيجعلك سعيداً رغم كل شيء.

سيعذبك الحب ولن تفهم لماذا
حينما تلتقي بمن تحب، ستتعذب ليس لأنك تهوى من يعذبك، ولا لأن هناك خطأ ما في تربيتك أو جرح في علاقتك بوالديك (وإن كان ذلك واردًا) يجعلك تبحث عمّن ينغص عليك حياتك، ولكن لأن الحب يجعلك شديد الحساسية وعرضة للألم بمنتهى السهولة. ليس الحبيب من يفعل بك ذلك، بل الحب هو من يفعل بك ذلك، يجردك من وسائل دفاعك ويهدم كل الجدران التي بنيتها حول نفسك.

فكر في الزواج لكن لا تقلق كثيراً بشأنه
لا تقلق بشأن الزواج ولا تهمله بالمرّة. تحديدك لرغبتك في الزواج من العشرينات يتيح لك اختيار الشخص المناسب ولكنه لا يضمن أنه سيحدث في الوقت الذي كنت ترغب فيه بالضرورة، فالحياة كما اتفقنا منذ قليل، ليست مطيعة إلى هذا الحد. الشخص المناسب سيأتي وسيكون جزءًا من حياتك في الوقت المناسب، وهذا يعني عندما تكون نفسيتك متزنة ومزاجيتك لا تُسيطر على ردات فعلك، وحياتك مستقرة ما يكفي لأن تكون قابلة لاحتواء الشخص هذا.

لا تنتظر أن يتم اختيارك كصديق
بادر وانتقِ أصدقاءك بعناية، ولا تتردد في خلق علاقات جديدة متى ما سنحت الفرصة. الهدف من الصداقات هو تحسين جودة حياتنا، فإذا كانت سلبيات العلاقات أكبر من إيجابياتها وتحولت إلى تفاعلات سامة، فلا تتردد بقطعها، وليس لأحد حق لومك فأنت الوحيد المتضرر. كيف تعرف أنها سامة؟ هذا النوع من الارتباطات يستنزف طاقاتك الجسدية والنفسية، وربما المالية، وهذا إهدار لمواردك الذاتية لا يستطيع أي شخص آخر تعويضك عنها مهما بلغ كرمه.

لا تترك الآخرين يتخذون قرارت نيابة عنك
أحياناً تكون هذه القرارات غير مباشرة، فمثلاً قد تراهم يعطونك رأيهم في علاقاتك بشكل مستمر ويقيّمون شريك حياتك أو حبيبك بشكل دائم ما يجعلك تنحرف عن رأيك الأساسي وتنحاز لآراء ليست لك. قد تأتي بحسن نية أو بدونها، لكن هذا لا يغير من كونها قرارات ليست من حقهم ومن غير الأخلاقي أن يدفعونك نحو قرار قبول أو رفض شيء أو شخص ما. لا تسمح للأخرين بهذا التدخل السافر وحافظ على علاقاتك وقراراتك من آراء الآخرين. في النهاية نحن هنا لنتخذ قرارات صعبة وغير مريحة وهذا ما يحدد من نحن. لا تجعل أحد يحدد من أنت.

الحب من طرف واحد ليس مأساة
من الصعب أن نعيش حباً من طرف واحد، ولكن من الأصعب ألا نحب البتة. إن المشاعر هي التي تجعلنا نكتشف من نحن، وبدونها ليس للحياة أية قيمة. بدل أن تلعن حظك، حاول رصد الأمور التي اكتشفتها في نفسك: مدى قدرتك على العطاء، المغفرة، الصمود، قيمك الحقيقية وربما تغيير حياة شخص ما. كل حب كفيل بتغيير حياة إنسان ما، أحياناً أنت وأحياناً هم. وكما وقعت في حب من لا يحبك، حتماً هناك من سيحبك ولا تحبه. ربما أنت تتعلم هذا الدرس لتصبح كريماً معه.

حدد طبيعة علاقاتك
قم بالفصل بين الصديق والحبيب والجار والمعرفة والزميل. تحديدك لطبيعة علاقاتك يجعلها صحية أكثر وأفضل لك ولهم، حيث تصبح التوقعات ملائمة لنوعية العلاقة، فلا يحدث الخلط وتكليف الأطراف أكثر مما يمكنها أن تقدم، أو توقع أقل مما يمكنها أن تقدم.


الكمال ليست تجربة الإنسان
عندما كنت طفلاً شعرت بأنك ناقص وعليك أن تعمل جاهداً لتصل إلى الكمال الذي ظننت أن والديك يتوقعانه منك، أو ربما شعرت بأنك كامل وأزعجتك نقاط القصور في شخصك ولم تتقبلها. الحقيقة أنك لست كامل، ولن تكون، وكذلك هو الحال مع بقية من حولك، لذلك استرخ واستمتع بكونك إنسان، له ما له وعليه ما عليه.

حافظ على الحركة البدنية
هذا لا يعني أن تذهب إلى النادي الرياضي وأن تلتزم بحمية غذائية بالضرورة، ولكن يعني الانشغال بالحركة الدائمة والابتعاد عن الجلوس لفترات طويلة، والتقليل من السكريات والمعلبات والأطعمة السريعة قدر المستطاع. هذه الآلة المذهلة، الجسد، عليك أن تحافظ عليها بكل ما أوتيت من قوة، فهي سلاحك الأكثر عملية في هذا العالم.

لا تقلق بشأن اختيار مجالك الجامعي
إذا كنت ستصبح محامياً أو طبيباً أو تريد دخول مجال يتطلب دقة في معايير التخصص وقدراً من الساعات والامتحانات والتصريح لممارسة المهنة فاختيار الدراسة الجامعية قد يحدد مصيرك، أما الباقي يفقد قيمته أمام (أو يتساوى مع) الخبرة، لذلك لا تخشى من اختيار المجال "الخطأ" فلا يوجد مجال خطأ ومجال صح. في النهاية الشهادة الجامعية قد تفتح لك باباً لكن دخول هذا الباب سيعتمد عليك وعلى جهدك ومثابرتك في مجال العمل. الخبرة، وبغض النظر عن كيف تم اكتسابها، هي التي تنمي بها مهاراتك، وجودة عملك وتقييم من حولك هو الذي سيمنحك الفرصة الحقيقة في التطور وليس الشهادة. في النهاية يرغب أصحاب العمل بتوظيف شخص لديه تجربة حقيقية مُثبته. ناهيك عن أن رغبتك وميولك المهني سيتغير مع العمر مهما كان اختيارك الجامعي قريبا إلى قلبك.

تعوّد على الوداع
من لا يودع أحداً لا يستقبل أحداً. لا تتعلق بأحد وكأن الدنيا تقف عنده، ولا ترغم أحداً على التعلق بك كأنك نهاية العالم، لأن هذا لا يتماشى مع طبيعة الإنسان القائمة على التعود وتبني التغيير. إذا حان رحيل أحدهم ودّعه على أمل اللقاء، وإن لم يكن اللقاء فهناك دائماً الذكرى. ليس لك أن تستهين بالذكرى لأن الذكرى هي أصل كل ما نعرف عن أنفسنا. فلو أنك استيقظت في يوم من الأيام بدونها، لا تتذكر اسمك أو من تحب، فمن أنت؟

حاول الادخار ولو القليل
ربما ترى أن المال القليل لا يتراكم بسرعة، ولكنه يتراكم تماماً كتراكم الإنفاق والديون. على سبيل المثال، حاول أن تحسب ما أنفقت على كوب قهوة يومياً لمدة شهر، وسيدهشك المبلغ الذي صرفته على هذا الكوب اليومي. ثقافة التوفير والادخار ليست جزءاً من ثقافتنا العربية لأنها قائمة على الإنفاق والمشاركة والعطاء، وهذا شيء جميل لا أتمنى أن تتوقف عن فعله لأن السعادة تعني المشاركة والعطاء ما يجعلنا أقوى وأصدق. ولكن حتى تتمكن من الإنفاق، عليك الادخار. قد يعينك هذا على بناء مستقبلك وربما مستقبل غيرك في يوم من الأيام، وهذا قمة العطاء والمشاركة.

لا تعلق ثقتك بنفسك على رأي الآخرين بك
سواءً سلبًا أو إيجابًا، لا تستمد ثقتك بنفسك من آراء الغير. لأن هذه الآراء لا يُعتمد عليها لمزاجيتها وتقلبها، لا تعلق ثقتك بنفسك على هذا التأرجح. الثقة التي لا تنبع من الذات تعصف بها أصغر زوبعة، ولكن الثقة النابعة والمحفوظة في ذاتك ليس لأحد أن يزعزعها أو يسرقها منك، إلا إن سمحت له.

حاول ألا تهدم علاقتك بوالديك مهما كلف الأمر
جزء من عملية النضج النفسي والاجتماعي، هو تحقيق الاستقلال الذاتي والخروج من عباءة الوالدين دون أن نكسر الرابط الذي يجمعنا بأهم شخصين في حياتنا. تلك مهمة صعبة، فربما تكون والدتك قد خيبت أملك، ربما والدك ليس كما يجب، لكن ورغم ذلك تبقى مهمة ليست بالمستحيلة، فأنت حين تكبر تصبح في موقع قوة بحكم شبابك وإقبالك على الحياة، ويبقى الوالدان أمانة لديك فكن كريماً قدر المستطاع. بهذا فقط يكبر احترامك لنفسك وتُشفى جروحك.

تعلم فن المفاوضة
هناك الكثير مما يجب عليك تعلمه، مثل اللغات الأجنبية التي تساعدك على التواصل والتعرف إلى العلوم المختلفة، الفلسفة التي ستنقذك من عبث العالم، التكنولوجيا الضرورية لتواكب العصر، وغيرها. لكن مهارة التفاوض مهارة ستحتاجها مع كل شخص تقابله في حياتك. لا يكفي أن تعرف ما تريد، عليك أن تعرف كيف تصل إليه، وليس هناك مهارة أهم من التفاوض وذكاء المحاورة. لا تستهن أبداً بقوة الكلمة ومدى تأثيرها على الغير، وإن كان التأثير بطيئاً فأنت لا تعرف ما قد يشعر ويفكر به الناس بعد سماع ما قلته.

لا يجب أن تنتصر في كل حوار
الحوارات ليست معركة تخرج منها مهزوماً أو منتصراً، بل فرص لتبادل الرأي والحوار. من الأفضل أن تكون حكيماً على أن تكون على حق.

الصبر، بشرتك ستتحسن
كل مرحلة عمرية تجلب نوعاً من التقلبات في الشكل الخارجي. فإذا كنت تعاني من حب الشباب وحاولت علاجه بشتى الطرق ولم تنجح فلأن ذلك له علاقة بأسباب هرمونية بالدرجة الأولى، وقد تختلف الأسباب من شخص إلى آخر، لكن جميعها تحتاج لأن تصبر حتى زوالها بينما تراجع طبيباً. ربما هذه فرصة لتعزيز ثقتك بنفسك عن طريق اكتشاف أمور أخرى خارج شكلك وتقييم الآخرين له.

أنت لست في مرحلة تحقيق الأحلام
العشرينات وحتى الثلاثينات ليست مرحلة تحقيق الأحلام، بل مرحلة بناء وإعداد للعمر القادم. هذا ما لن ولم يقله لنا أحد. فشلنا، تأخرنا، إحباطاتنا، أوجاعنا ليست استثناء وإنما جزء من تجربة الإنسان. كل إنسان. في البداية تكون "أحلامنا" هي أحلام آبائنا: أن ننجح في الدراسة والعمل، أن نتزوج في الوقت المناسب بالشخص المناسب، ونبني أسرة ونتبع العرف والقانون. هذه ليست أحلامنا لأننا في الصغر لا نعرف الحياة حقاً ولا نعرف من نحن فيها حتى تنال منا الحياة ما تشاء وننال منها.

دلالات