زوجة مطلقة أحسن من زوجة عازبة

زوجة مطلقة أحسن من زوجة عازبة

15 أكتوبر 2018
+ الخط -
لم نعرف، نحن أصدقاء "أبو الجود"، السببَ الذي جعله يوافق على إعلان خطوبته للسيدة "فتحية" التي تزوجت لمدة شهرين فقط، ثم طُلِّقَتْ.. فلما ذهبنا إليه وسألناه عن سر هذا الموقف، قال إن هذه الموافقة لها أسباب عديدة..

الأولُ هو إحراج صديقه "أبو قدور" المصرّ على تزويجه من امرأة مطلقة، فالمطلقة، برأيه، تنفع زوجةً لأبي الجود أكثر من البنت العادية، لأن المرأة لا تُقْدِم - عادةً - على طلب الطلاق من زوجها إلا عندما تكون مظلومة، و"فتحية" مظلومة بالفعل، فقد شوهدت، بعد أسبوع من الزواج، وهي خارجة من بيت زوجها وفي جبينها كدمة زرقاء (نبيرة)، نجمت عن بوكس تلقته من زوجها لا يقل قوة عن البوكس الذي كان المرحوم محمد علي كلاي يخبط به وجه خصمه، وبقيت في بيت أهلها لا تقابل أحداً حتى زال الانتفاخ وعاد اللون الطبيعي لبشرتها..

وثاني الأسباب أن أبا قدور ينظر لأبي الجود على أنه بضاعة مضروبة (ستوك)، فلا هو يمتلك مالاً يقدمه لخطيبته الآن، وليس من المحتمل أن يمتلك مالاً يقدمه لها في المستقبل، لأن الفقر يطارده من جهة، والنحس يسد عليه الجهة الثانية، ولو تاجر بالأكفان لأقلع الناس عن الموت!


ومن الحِكَم التي تدل على ذكاء أبي قدور وألمعيته قوله إن كل ما يمتلكه أبو الجود في هذه الحياة الفانية (هو يلفظها: الفاينة) هي أشياء معنوية لا قيمة لها، مثل الوسامة والشبوبية والسمعة الحسنة، ويُلحقها بعبارة: طز.

ضحك أبو الجود وقال: أنا مرة اعترضت على كلامه، وقلت له يا عمي أبو قدور كيف تقول إن الأشياء المعنوية في هذه الدنيا (الفاينة) لا قيمة لها، وطز فيها؟ فقال لي: روح، إذا بتريد، لعند القصاب (اللحام)، واشتر من عنده نصف كيلو لحمة، فإذا طالبك بثمنه قل له (أنا وسيم وشاب وسمعتي حسنة وعندي مزايا معنوية أخرى) فيا ترى هل يقبل؟!

ضحكنا من هذا التصور، وقلنا لأبي الجود إن الأقدار التعيسة لم تكتفِ بأن ألبستك الفقر والنحس والعزوبية، بل أضافت عليك صحبة "أبو قدور"!
قال: والله صحيح، ولكن، بتسمحوا لي أحكي بصراحة؟
قلنا: طبعاً.
قال: أنا لولا "أبو قدور" لنسي أهالي بلدتنا أن بينهم إنساناً طيباً يمتلك صفات معنوية (لا قيمة لها)، وأنه متأخر عن الزواج لأسباب قاهرة.. والأسباب القاهرة، لعلمكم، هي كثرة الصفات المعنوية، وقلة الصفات المادية.. وأنا على كل حال سأذهب الليلة برفقة عمي "أبو قدور" لطلب يد السيدة فتحية، وكل ما أرجوه منكم أن تبقى قلوبكم معي وتدعوا لي الله أن يحقق ما في خاطري.

قلنا له: وما هو الشيء الذي في خاطرك؟
قال: أتمنى أن ترفضني فتحية أو يرفضني أهلُها.
دهشنا، وسألناه: ليش بقى؟ أيش السبب؟
قال: أخشى ما أخشاه أن تقبل بي وأتزوج وتنتهي حكايتي، أو بالأحرى حكاياتي الجميلة.. ومن ثم يجلس عمي أبو قدور عاطلاً عن العمل، لا يوجد لديه قضية يتسلى بها.

دلالات

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...