تونس: الأماني تسجن أصحابها

تونس: الأماني تسجن أصحابها

08 يناير 2018
+ الخط -
فعل أو أمر موحش في حق رئيس الجمهورية قد يحقق حلمك في خوض تجربة سجنية في تونس ما بعد 14 يناير/ كانون الثاني 2011. هذا ما تحيل عليه المحاكمات تحت يافطة، ارتكاب فعل موحش في حق رئيس الجمهورية منذ توليه المنصب في يناير/ كانون الثاني 2014.

لن نخصص هذه التدوينة للتعريف أو التعرف عن معنى الأمر الموحش لأنه يندرج ضمن الصلاحيات التقديرية لقضاة التحقيق والنيابة العمومية. سنتناول عينة مجردة من الفعل حتى نفهم ماهيته وتأثيره على نفسية رمز الدولة المقدس.

عبد الرزاق الخزري ومنجي عبد العزيز الجديدي خريجان من الجامعة التونسية، نشطا في الاتحاد العام لطلبة تونس، يعمل الأول قيّماً بالمدرسة الإعدادية بجندوبة والثاني حارسا ببنك وهو أمر موحش في حق صاحب شهادة عليا. حكم عليهما بالسجن ستة أشهر وخطية مالية قدرها 5 آلاف دينار لكل منهما مع النفاذ، والتهمة ارتكاب فعل موحش في حق الرئيس.

بالعودة لحيثيات القضية حدثنا عضو لجنة الدفاع، المحامي ياسين عزازة: تم اقتياد منجي وعبد الرزاق ليلة 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 إلى الوحدة الوطنية لمكافحة الإرهاب بالقرجاني دون إذن قضائي، حيث تم استنطاق المتهمين دون حضور محام وفق ما ينص عليه القانون . وتم عرضهما على النيابة العمومية بتونس بتهمة ارتكاب جريمة إرهابية، غير أن النيابة تخلت عن القضية نظرا لعدم وجود الصبغة الإرهابية. وأحيلت القضية إلى المحكمة الابتدائية بجندوبة بوصفها مختصة ترابيا.


هناك أصدرت بطاقة بإيداع المتهمين بالسجن المدني ببلاريجيا، ووجهت لهما تهمة ارتكاب أمر موحش ضد رئيس الدولة بناء على الفصل 67 من المجلة الجنائية التونسية، أي نشر أخبار زائفة وإثارة البلبلة. هناك تم عرضهما على التحقيق بالمحكمة الابتدائية بجندوبة، وأصدر قاضي التحقيق قراراً بالإفراج المؤقت. إلا أن النيابة العمومية استأنفت القرار لدى دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بجندوبة، والتي بدورها رفضت مطلب الإفراج.

عينت جلسة بالدائرة الجناحية بالمحكمة الابتدائية بجندوبة للنظر في القضية وتقرر التمديد في آجال التصريح بالحكم إلى يوم 3 يناير/ كانون الثاني 2018 وصدر الحكم: 6 أشهر سجن وخطية قدرها 5 آلاف دينار لكل منهما.

اعتبرت هيئة الدفاع الحكم جائرا في ملف مفرغ تماما من الناحية القانونية والواقعية، واعتبرت أن هذا الحكم يعد مسّاً بالحريات.

يقول الأستاذ ياسين عزازة: الفصل 67 من مجلة الجنايات التونسية يعود لسنة 1913، تم إلغاء جميع الفصول التي تليه منذ سنة 1956 كونها فصولاً لحماية العائلة الحاكمة زمن البايات، وأبقى عليه الحبيب بورقيبة حيث تم تنقيحه من باي إلى رئيس. هو أيضا فصل يتناقض مع جوهر الدستور التونسي، حيث يحيل على الفصلين 42 و48 من مجلة الصحافة التي وقع إلغاؤها بعد 14 يناير/ كانون الثاني 2011. كما أكد على ظرورة تنقيح هذا الفصل الذي لا يمت للجمهورية الثانية بصلة.

دخل عبد الرزاق ومنجي في إضراب جوع بالسجن المدني ببلاريجيا منذ يوم 4 يناير/ كانون الثاني 2018 كما تخوض عائلتاهما إضرابات جوع أمام مقر الرابطة التونسية لحقوق الإنسان.

بالعودة لمحاكمات تحت عنوان الفعل الموحش نجد الناشط والروائي، حمادي الخليفي، صاحب رواية "هرب" والحاصل على جائزة رابور وتدوينته سبب الاعتقال "حتى مغرفة ملح تنجم تهدد حياة الرئيس"، هناك تم اختطافه بنفس الشاكلة وحرم من اجتياز مناظرة المحاماة التي لا تعاد إلا السنة التي تليها.

ليعود سؤال الحرية للواجهة في ظل نظام مستنسخ من النظامين السابقين لـ14 يناير/ كانون الثاني 2011، أما لرئيس الاتحاد العام لطلبة تونس، غسان بوعزي، فتعود القضية للمس من الذات الرئاسية متمثلة في ابن الرئيس والكتابة على تمثال الحبيب بورقيبة بالعاصمة شارع الثورة تحديدا "ولد في دارك ونسيبك زادا" أي ابنك في البيت وصهرك الآخر.

والمدون أيمن بن سالمة يعرض في هذه الأيام بسبب المس من الذات نفسها. هذا التتبع يكون موضوعيا لو كيف كالتالي: المس من الحالة النفسية لرئيس الجمهورية. فلا يخفى على بشر أن من يبلغ التسعين يضايقه الإحساس بقرب الأجل رغم أنه محتوم.

هنا يطرح سؤال وجودي، فوفقا لإحدى الدراسات، إن ممارسة السياسة على مستوى عال يؤثر على العمر المفترض للإنسان، حيث التوتر مرتفع، وسيادة الرئيس سياسي محنك منذ الخمسينيات وهو إلى الآن حي وقد جاوز التسعين.

إنه يخالف القوانين البشرية للوجود.. فلا تخشوا تغريدة ومنشورا تهكميا، لن يأخذ عمره سوى عزرائيل. لذا وجب التنويه.. إن ثنائية المقدس والمدنس في عقول الشباب لم تعد تلك التي يستبطنها رئيس من القرن الماضي والزمن الذي يسبقه.

أخيرا سؤال الحرية معضلة لا يمكن الإجابة عن تساؤلاتها وفهم تمظهراتها بآليات الشرق المنطلقة من عقل أسطوري يعتقد في الزعيم المخلص.
42ACCD04-4C2E-46D0-9BBA-43B220EF9F7D
محمد علي بو علاق

كاتب وحاصل على شهادة الماجيستير في الإعلامية، طالب سنة أولى ماجستير صحافة متعددة المنصات. لي رواية بصدد النشر. وناشط بالمجتمع المدني.