هل كان الفيتو الأميركي حول القدس باطلاً قانونياً؟

هل كان الفيتو الأميركي حول القدس باطلاً قانونياً؟

04 يناير 2018
+ الخط -
أثار الفيتو الأميركي في مجلس الأمن ضد مشروع قرار حول القدس في التاسع عشر من ديسمبر/ كانون الأول الماضي جدلاً كبيراً بين الأوساط السياسية والإعلامية والشعبية، وفي ضوء المعلومات والتحليلات التي تداولتها وسائل الاعلام المرئي والمكتوب وحتى وسائل التواصل الاجتماعي حول الفيتو الأميركي، وأن ثمة دولاً تورطت في مشروع القرار المطروح ولم تذكر اسم الولايات المتحدة في متنه، وأن نتيجة التصويت كانت ستتغير على القرار وكان سيصدر بالموافقة لو تم ذكر اسم الرئيس ترامب أو الولايات المتحدة في نص مشروع القرار حيث ستُحرم الولايات المتحدة من التصويت لكونها طرفاً في النزاع.

وهنا يكون لزاماً علينا أن نتناول هذه المسألة من زاوية قانونية فنية موضوعية بعيداً عن أي اعتبارت أخرى سياسية أو غيرها، وبمعنى قانوني أدق، نطرح السؤال التالي:

هل يجوز بأي حال تطبيق أحكام نص المادة 27 الفقرة 3 من ميثاق الأمم المتحدة بحق الولايات المتحدة وحرمانها من التصويت على القرار لكونها طرفاً في النزاع؟ وهل صحيح أنه لو ذكر اسمها في القرار لحرمت من التصويت وكان القرار سيصدر متفقاً عليه بالإجماع؟

تنص المادة (27) من ميثاق الأمم المتحدة على:
1. يكون لكل عضو من أعضاء مجلس الأمن صوت واحد.
2. تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الإجرائية بموافقة تسعة من أعضائه.
3. تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الأخرى كافة بموافقة أصوات تسعة من أعضائه تكون من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقة، بشرط أنه في القرارات المتخذة تطبيقاً لأحكام الفصل السادس والفقرة 3 من المادة 52 يمتنع من كان طرفا في النزاع عن التصويت.

بداية، لا بد من أن نبين أن مجلس الأمن هو الذراع التنفيذية للأمم المتحدة وقراراته تنفيذية وملزمة لجميع الأعضاء، بعكس الجمعية العامة التي تكون قراراتها مجرد توصيات غير ملزمة، ويتكون من 15 عضواً جميعهم في منظمة أعضاء الأمم المتحدة وتقسم العضوية في مجلس الأمن إلى نوعين:

أ‌. عضوية دائمة، عدد 5 أعضاء، هم: (بريطانيا - أميركا - فرنسا - روسيا - الصين)، وهؤلاء يتمتعون، بالإضافة إلى العضوية الدائمة بمجلس الأمن، بأنهم يمتلكون قوة تصويتية خاصة تعرف باسم "حق النقض"، بمعنى أنه لو صوت أي عضو من الأعضاء الخمسة الدائمين بالسلب أو بالاعتراض على أي مشروع قرار في مجلس الأمن المكون من 15 عضوا، فإن القرار يعطل ويفشل ولا يصدر ولا يعتبر الامتناع عن التصويت تصويتا بالرفض.

ب‌. عضوية غير دائمة مدتها (سنتان) وعددهم 10 أعضاء ينتخبون من الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وردت المادة 27 في الباب الثامن، والذي يتحدث عن مجلس الأمن وقد جاءت تحديداً لبيان آلية التصويت في مجلس الأمن ونصت في الفقرة الأولى على أن لكل عضو في مجلس الأمن صوتاً واحداً فقط، ويستوي في ذلك الأعضاء الدائمون والأعضاء غير الدائمين ولكنه أعطى لأصوات الأعضاء الخمسة الدائمين قوة قانونية خاصة كما سنبين لاحقاً.

وفي ما يخص آلية اتخاذ القرارات بينت أن أي قرار حتى ينفذ ويصدر يجب أن يحوز موافقة 9 أعضاء من أصل 15 عضواً - عدد أعضاء مجلس الأمن - وحددت نصابين قانونيين بناء على طبيعة المسألة المطروحة للتصويت وقسمتها إلى نوعين: إجرائية وغير إجرائية.

ولكن الميثاق لم يعرف ما هو المقصود بالمسائل الإجرائية والمسائل غير الإجرائية، وإن كانت ثمة استنتاجات توحي بها بعض مواد الميثاق ولكنها ليست ذات دلالة قطعية، وبذلك يكون قد ترك الباب مفتوحاً للاجتهاد الفقهي واتفاق أعضاء مجلس الأمن والعرف السائد وممارستهم عمليا، ولم يتطرق إلى ذلك صراحة أو ضمنا في أي من مواد الميثاق، وهذا نعتبره قصوراً يجب أن تتم معالجته وتعديل الميثاق بإضافة فصل خاص بالتعريفات، ويمكن طلب فتوى قانونية بخصوص هذه التعريفات من محكمة العدل الدولية.

1. بالنسبة للمسائل الإجرائية: تصدر القرارات بأغلبية 9 أصوات فقط بدون اشتراط موافقة الأعضاء الدائمين ضمن الموافقين على القرار.

2. المسائل غير الإجرائية: تصدر القرارات بأغلبية 9 أصوات بشرط أن تكون بينها موافقة أصوات الأعضاء الدائمين، أي بمعنى أن أي قرار في مسألة غير إجرائية لا يصدر إذا اعترض عليه عضو واحد فقط من الأعضاء دائمي العضوية حتى لو وافق عليه جميع الأعضاء الـ14 الآخرين كما حصل بتاريخ 18/12/2017 عندما اعترضت الولايات المتحدة على مشروع القرار الذي قدمته مصر ووافق عليه بقية الأعضاء الأربعة عشر.

وبعيداً عن كون المسألة أو مشروع القرار المقدم إجرائية أو غير إجرائية ولاختيار النصاب الأشد، لنفرض بالجدل الساقط أن موضوع القرار مسألة إجرائية تستلزم عدم اعتراض أي عضو دائم العضوية على مشروع القرار، سنتناول جزئية هل تنطبق الفقرة 3 من المادة 27 من الميثاق على التصويت على مشروع القرار أم لا؟

بالرجوع إلى الفقرة 3 من المادة 27 نجد أنها جاءت خاصة بالتصويت على المسائل الإجرائية فقط، وأوردت استثناء على القاعدة العامة المنصوص عليها في الفقرة الأولى بأن لكل عضو في مجلس الأمن صوتاً واحداً، وهذا الاستثناء يحرم عضو مجلس الأمن من التصويت على القرارات ذات المسائل غير الإجرائية بغض النظر عن كون عضويته دائمة أو مؤقتة وذلك إذا توافر شرطان هما:

1. أن يكون العضو طرفا في نزاع معروض على مجلس الأمن.
2. أن يكون القرار محل التصويت تطبيقا لأحكام الفصل السادس من الميثاق والفقرة 3 من المادة 52 من الميثاق.

وهنا نجد أنفسنا أمام ثلاثة إشكالات لا بد من التصدي لها بالتحليل والتدقيق قبل الإجابة عليها..

الإشكال الأول:
هل الولايات المتحدة طرف في نزاع دولي معروض على مجلس الأمن؟.. وهذا يقتضي بداية تعريف كلمة نزاع وفق مفهوم القانون الدولي، فالنزاع وفق تعريف محكمة العدل الدولية في قرارها الصادر في سنة 1924 في قضية مافروميتس هو: خلاف بين دولتين على مسألة قانونية أو حادث معين أو بسبب تعارض في وجهات نظرهما القانونية أومصالحهما.

وبتطبيق واقعة تصريح ترامب على هذا التعريف نجده لا ينطبق أبدا، فنحن لسنا أمام خلاف على مسألة قانونية أو حادث معين أو تعارض في وجهات نظرها القانونية أو مصالحها.

إذن من حيث المبدأ فنحن لسنا بأي حال بصدد حالة نزاع بين دوليتن أو أكثر، بل نحن أمام حالة خاصة جدا، ومن وجهة نظري، هذا الوضع غير مسبوق في تاريخ القانون الدولي الحديث منذ قيام الأمم المتحدة وحتى اليوم، وتصريح ترامب يعتبر سابقة خطيرة في القانون الدولي تتمحور حول قيام دولة عضو دائم في مجلس الأمن بانتهاك صارخ لأحكام القانون الدولي، وتهديد السلم والأمن الدوليين، وارتكاب مخالفات عمدية لميثاق الأمم المتحدة ولاتفاقيتي لاهاي وجنيف الرابعة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وعشرات القرارات الأممية من مجلس الأمن والجمعية العامة، من أهمها القرار 478 لسنة 1980 االذي صدر ردا على القانون الأساسي لدولة الاحتلال لسنة 1980 والذي نصت المادة الأولى منه على أن القدس عاصمة كاملة موحدة للاحتلال، فجاء القرار 478 وبلهجة شديدة، اعتبر هذا القانون انتهاكا صهيونيا للقانون الدولي ويشكل عقبة جدية أمام تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط، وأكد رفضه الاعتراف بالقدس كعاصمة موحدة للكيان الصهيوني، وأكد أنها أرض محتلة وطالب الدول برفض هذا القانون الأساسي ودعاها إلى سحب بعثاتها الدبلوماسية من القدس.

فالواقعة التي نحن بصددها من حيث الموضوع ليست جديدة، ومن الناحية الواقعية مطابقة تماما في تفاصيلها للواقعة التي صدر في شأنها القرار 478، وبالتالي فحكم القانون الدولي فيها ثابت ومعلوم، وتهديدها للسلم والأمن الدوليين حقيقة راسخة ثابتة بقرار أممي صادرعن مجلس الأمن الدولي، وهو ملزم لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وواجب التنفيذ كما جاء في المادة 25 من الميثاق، ولسنا بحاجة لبيان رأي مجلس الأمن أو تحقيقه في الواقعة وكونها تهدد السلم والأمن الدوليين أو كونها مخالفة لأحكام القانون الدولي، وإنما كان المطلوب طرح مشروع قرار إدانة ومساءلة للولايات المتحدة وفق أحكام المادة 5 /6 من الميثاق.

والتكييف القانوني للواقعة أو قرار ترامب بأنه قرار فردي من الولايات المتحدة بالاعتراف بالقدس عاصمة موحدة للاحتلال الإسرائيلي في سابقة خطيرة لانتهاك أحكام القانوني الدولي وميثاق الأمم المتحدة وعشرات القرارات الأممية، وقوبل هذا القرار بالرفض من دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا والدول الإسلامية والعربية، فنحن لسنا أمام نزاع بين دولتين أو أكثر وإنما نحن في سابقة خطيرة تهدد السلم والأمن الدوليين وفيها تحدٍّ للشرعية الدولية.

فالرئيس الأميركي وكما صرح عند إصدار القرار بأن قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الكيان الصهيوني جاء تنفيذا لقانون أقره الكونغرس سنة 1995، حيث يعبر بصراحة عن رغبة الولايات المتحدة في نقل سفارتها في إسرائيل إلى القدس بدلا من تل أبيب، والاعتراف بالقدس كعاصمة للدولة العبرية، وذلك في موعد أقصاه مايو/ أيار 1999 ولضمان تنفيذ القانون، فرض الكونغرس عقوبات على الجهات التنفيذية في حال فشلت في اتخاذ مثل هذه القرارات ضمن الموعد المذكور، وصدرت عدة وعود من عشرين رئيسا ومرشحا ومسؤولا في مجلس الشيوخ بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.

ولكن هذا التشريع يسمح للرئيس الأميركي بتأجيل تطبيقه كل 6 أشهر، وهذا ما فعله الرؤساء الأميركان منذ 1995، إلا أن ترامب قد قرر في 6 ديسمبر/ كانون الأول 2017 الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس، وفي خطوة غير مسبوقة في انتهاك خطير للشرعية الدولية وأحكام القانوني الدولي أدانها المجتمع الدولي.

فالولايات المتحدة رغم إصدارها التصريح بقيت علاقاتها الدبوماسية قائمة ولم تتأثر مع جميع الدول التي رفضت القرار، سواء الأجنبية أو العربية والإسلامية بما فيها الأردن ومصر، وحتى لم يحصل توتر في العلاقات ولم يُثَر أي نزاع دولي بهذا الخصوص مع أي دولة، والأصل أن مخالفة القانون لا تعتبر اختلافاً في وجهات النظر، وجل ما حصل هو إدانة دولية للقرار الأميركي من الكثير من دول العالم، وعلى رأسها بريطانيا والاتحاد الأوروبي والدول العربية والإسلامية.

وبالنتيجة فإن الشرط الأول لا يتوفر لأن الولايات المتحدة ليست طرفا في نزاع دولي ولم يحصل أي نزاع من أي شكل مع أي دولة.

الإشكال الثاني: هل نطبق أحكام الفصل السادس على واقعة قرار ترامب أو مشروع القرار محل التصويت؟

في البداية، يجب أن نعلم ماهية الفصل السادس وأحكام مواده. بالاطلاع على الفصل السادس في ميثاق الأمم المتحدة نجد أنه تضمن 5 مواد من المادة (33 - 38) الذي يتناول حل النزاعات بالطرق السلمية، ويبين سلطة مجلس الأمن وحدوده في تقديم التوصيات من أجل التسوية السلمية للمنازعات، التي من شأنها تهديد السلم والأمن الدوليين أو التي أحالها الأطراف على المجلس. وإن تلك التوصيات لا تعتبر عادة بأنها تدابير إلزامية تدخل في نطاق الفصل السابع من الميثاق.

وبإسقاط واقعة قرار ترامب وتكييفه القانوني كما وضحناه آنفا على جميع هذه المواد، نجد أن أيا منها لا تنطبق على واقعة تصريح ترامب واعترافه بالقدس عاصمة موحدة لدولة الاحتلال، فنحن لسنا أمام دول متنازعة تحتكم لمجلس الأمن لتسوية نزاعها بالطرق السلمية، وبالتالي يسقط الشرط الثاني واعتبارها تدخل ضمن نطاق تطبيق أحكام الفصل السادس من الميثاق.

الإشكال الثالث: هل تطبق الفقرة (3) من المادة 52 على الواقعة/ قرار تصريح ترامب:

نص المادة 52 الفقرة الثالثة هو: على مجلس الأمن أن يشجع على الاستكثار من الحل السلمي لهذه المنازعات المحلية بطريق هذه التنظيمات الإقليمية، أو بواسطة تلك الوكالات الإقليمية بطلب من الدول التي يعنيها الأمر أو بالإحالة عليها من جانب مجلس الأمن.

في ضوء إسقاط الشرطين الأوليين على الواقعة وبقراءة متأنية لحكم المادة، نجد أن مقصودها كما نفهمه، أن الدول الممنوعة من التصويت أمام مجلس الأمن هي الدول التي لجأت إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية ومجلس الأمن رضاء لحل نزاعها بشكل سلمي، أو تلك التي يحيلها مجلس الأمن بقرار منه إلى التنظيمات أو الوكالات الإقليمية لتسوية النزاعات بشكل سلمي، فإن هذه الدول تحرم من التصويت أمام مجلس الأمن سواء على قرار الإحالة او أي قرار خاص بالنزاع المنظور أمام المجلس.

وبناء عليه، وبالفرض الجدلي الساقط بوجود نزاع دولي أحد أطرافه الولايات المتحدة، فإن الوقائع تثبت قطعيا أنها لم تطلب تسوية هذا النزاع رضاء بالطرق السلمية أمام مجلس الأمن، كما أنها لم تلجأ طواعية إلى أية منظمة دولية أو وكالة إقليمية لحل نزاعها ولم تُحَل إليها بقرار من مجلس الأمن.

وبالنتيجة وبعد استعراض الإشكالات الثلاثة وتمحيصها قانونا: فإن استخدام الولايات المتحدة لحقها في التصويت ورفض مشروع القرار بما يعرف بحق النقض أو الفيتو بتاريخ 19-12-2017 يكون صحيحاً، ويتفق مع أحكام ميثاق الأمم المتحدة.
9CCA9ABB-3959-4C11-9859-245652445B40
معتز المسلوخي

محامي وباحث قانوني مقيم في قطر... عضو الأمانة العامة ورئيس اللجنة القانونية في المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج وعضو منظمة العفو الدولية.