حكاية الصبي المُقلع عن التدخين

حكاية الصبي المُقلع عن التدخين

20 يناير 2018
+ الخط -

من تجاربي الشخصية.. أنني، وعدداً كبيراً من زملائي، تعلمنا التدخين على نحو مبكر، وكنا نعاني الأمرَّين لإخفاء السجائر والولاعة عن أعين الأهل، لأنهم، إذا ضَبَطوا معنا أي شيء يوحي بأننا ندخن، كانت عقوباتنا تتفاوت، بحسب نوعية الأهل؛ فبعضهم كانوا يعاقبون ابنهم المدخن بالضرب المبرح، أو بتقييد رجليه ومنعه من مغادرة البيت، أو حرمانه من المصروف، ومنهم من كانوا يكتفون بتوبيخه وتقريعه، أو البصاق في وجهه.

وكان المعلمون في المدرسة أكثر تشدداً من الأهل حيال التدخين، فعدا عن التفتيش المفاجئ في الجيوب وأدراج الطاولات، وشم الفم والأصابع، كان المدير وأمين السر والموجه يقومون بجولات في الصفوف والباحات والمراحيض أثناء الفرص، ومن كان يُضبط وهو يدخن يَنزل عليه غضب الله!

ومن أطرف ما مر معي.. أننا كنا أكثر من عشرين طالباً، تتراوح صفوفنا بين الأول الإعدادي والثالث الثانوي، منزوين في غرفة ليس لها شبابيك، وندخن بشراهة لأن الفرصة قصيرة، ونتبارى في إخراج الدخان من أنوفنا، وإذا بـ (كبسة) تفتيش تنزل علينا، ونُضبط متلبسين بالجرم المشهود.

في مكتب المدير، وقد بدأ التحقيق والاستجواب، وصل الأمر إلى طالب صغير، في الصف الأول الإعدادي، عمره اثنتا عشرة سنة، إضافة إلى أن جسمه صغير.. سأله المدير بلهجة عنيفة:

- وأنت كمان يا شبر الأرض.. تدخن؟ يا ترى من منكما أطول، أنت أم السيكارة؟

فأجابه الفتى بثقة متناهية، وبرود أعصاب غريب:

- يا أستاذ أنت غلطان، أنا لا أدخن، وقد جئتم بي إلى هنا بالغلط.

قال المدير بعصبية أكبر:

- لا تكذب ولاك، كنت عم تدخن.

فرد عليه ببرود أعصاب أكبر:

- أستاذ أنا ما كنت عم دخن. الله وكيلك صار لي سنتين تارك التدخين!

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...