المظاهرات أسلوب حضاري لتخدير الشعوب

المظاهرات أسلوب حضاري لتخدير الشعوب

18 يناير 2018
+ الخط -
لم أخرج في أي مظاهرة منذ فترة طويلة، وحتى مظاهرات القدس رغم أنها على بعد أمتار من منزلي في إسطنبول ولكنني لم أخرج، وكذلك مظاهرات تنسيقية إسطنبول مع أني تابعت نشاط القائمين عليها وأعجبتني حماستهم، لكن لم أشارك.. أتعلمون لماذا؟

نفوسنا تشعر بالتقصير تجاه قضايانا فإن نفست عن هذا الشعور بمظاهرة هنا وهتاف هناك، قد أعود إلى منزلي ظاناً أنني نصرت القضية وأديت واجبي.

أنا مقصر! ولا أريد أن أغطي تقصيري بصوت أهتفه في ساحة هنا أو هناك، ولا أريد أن تتوقف نفسي عن لومي، ولا أريد لنفسي أن تقول لي: لقد أديت ما عليك.

أتذكر كيف سقطت القصير ورفعت أعلام الشيعة على مساجد حمص فتظاهرنا في الساحات، وهتفنا لنصرة القصير بالروح والدم وحتى الموت، ثم عدنا إلى منازلنا وقد أفرغنا كل الغضب بالهتافات. أتذكر سقوط يبرود وكيف هتفت لها الحناجر حتى كادت تتشقق، ثم عدنا والنفوس تفيض فرحاً بأننا أدينا واجبنا.


بغى تنظيم "داعش" على فصائل الجيش الحر في الرقة فتظاهرنا في الشوارع عدة مظاهرات، ثم عدنا للمنازل وكلنا شعور أننا أنجزنا ما علينا.. وسقطت الرقة بعدها ولم ندرك مدى تقصيرنا.

المظاهرات حالة حضارية رائعة، وكانت أهم شرارات الثورة السورية المباركة، لكنها اليوم تثقلنا لأنها تشعرنا بالرضا عن أنفسنا، وتدفعنا للظن بأننا انتصرنا لقضيتنا.

لماذا أكتب هذه الكلمات؟!
استفقت منذ قليل على حلم خلع قلبي، رأيت نفسي في القدس في أرض خالية تماماً من أي بناء وتظهر عليها آثار بناء مهدوم وبضعة أحجار.
سألت: أين أنا؟
فقيل لي: هذه بقايا المسجد الأقصى.

استيقظت كالمجنون فلما فتحت هاتفي رأيت بعض الأخوة في تنسيقية إسطنبول وبعض التجمعات المشابهة جزاهم الله خيراً، يمنّون على الناس أنهم تظاهروا في البرد نصرة للثورة وقضاياها، وجزاهم الله خيراً مرة أخرى، وينتقدون كل رجل سوري لم يخرج للتظاهر، ويتهمونه بأنه لا يهتم بأمور حرائرنا في السجون.

فكرت بمدى الرضا الذي اعتلى نفوس الملايين في الساحات عندما هتفوا للأقصى والقدس، وها هم اليوم في بيوتهم ولا يزال الوضع في القدس على حاله وربما أسوأ، وأفكر بمدى الرضا الذي عاشه إخوتنا وأحبابنا الذين تظاهروا وما زالت النساء في السجون.

صارت المظاهرات إبر تخدير للشعوب فلا تمنّوا على الناس أنكم حقنتم بالمخدّر، فالقاعد والهاتف سواءٌ من حيث الأثر على الأرض، إلا أن المتظاهر يعود إلى منزله منتشياً وكأنه حرر الجبهات كلها، بينما المتخلف عن المظاهرات قد يكون قلبه يغلي كالبركان وضميره يقتله ويؤنبه على تقصيره.

يجب عليكم أن تعرفوا أن من خالفكم أو تخلف عنكم، عنده من الغيرة على قضيته ما يدفعه للجنون ويقض مضجعه ويحرق قلبه، ولكن لا يريد أن يشعر بالرضا عن نفسه أو يفكر بأنه انتصر لأمته وهو ما زال مقصراً.
0D06433F-B23F-4A09-95F8-B116DFFBEB69
أحمد الصالح

معلم كيمياء... مدون وكاتب مقالات، ولدت في مدينة الرقة 1991 وغادرتها عام 2015 متوجها إلى إسطنبول.. أكتب في السياسة وعن الثورة السورية، ومقتطفات أخرى، لي كتابات سياسية ناقدة وأخرى تحليلية وبعض المقتطفات الساخرة حاليا.يقول: لا أحب أن أخطو إلى الأمام خطوة وأترك خلفي شخصا يحتاجني.