الجودة والسلامة عند المتقدمين والمتأخرين

الجودة والسلامة عند المتقدمين والمتأخرين

18 يناير 2018
+ الخط -
يطلق معيار الجودة على العملية التي تتبع مرور منتج ما على خط الإنتاج قبل توضيبه وإرساله للمستهلك النهائي. وتتم هذه العملية بأن يقوم شخص ما، عادة يكون من المختبر، بأخذ عينة من المنتج وإخضاعها للتجربة للتحقق من مطابقتها لمعايير جودة المنتج وسلامته وقدرته على القيام بالوظيفة التي صنع من أجلها، ثم توثيق ذلك في تقرير معد لهذه الغاية.

تختلف معايير الجودة من سلعة إلى أخرى، بل وحسب الشركة المنتجة. فبعض المنتجات يتم فحص 1/1000 بالألف أو حتى واحد بالعشرة آلاف منها. والبعض 1/10 والبعض الآخر كل قطعة بمفردها.

وبالإجمال كلما ارتفع سعر المنتج كلما كانت نسبة الكمية التي تخضع للفحص أكبر، حتى تصل إلى مرحلة يتم فيها فحص كل منتج. وقد تختلف نسبة العينات حسب رغبة الزبون النهائي.


فمثلا، شركات السيارات لديها اختبار جودة نهائي للعربة بعد التجميع النهائي، ليس له علاقة باختبار الجودة الذي تخضع له القطع عند تصنيعها كل على حدة؛ لكن لو كان المشتري هيئة حكومية، كالشرطة مثلاً، فإن معيار الجودة يختلف اختلافاً كلياً، ويلزم هنا تجربة كل عربة والتأكد من مطابقتها لاختبار القوة والسلامة، طبعاً تتم إضافة ذلك الى سعر السلعة.

ولهذا قد يستغرب بعض الناس أنهم يقومون بشراء شريط شاحن للتلفون بدولار من محلات كل شيء فيها بهذا المبلغ، ولكنهم يدفعون ثمنه 40 دولارا من محلات "أبل". ورغم أن نوعية المواد المستخدمة في المنتجين هي نفسها، ولكن اختبار النسبة يختلف ويمكن قراءة ذلك على المنتج TC test control. اختصار، ويشير إلى النسبة.

هذا المفهوم التكنولوجي الجديد لضمان وصول سلعة تحمل قيمة ما دفع لأجل الحصول عليها من المستعمل النهائي، ليس مفهوماً جديداً كما يظن البعض، وقد استعمل من قبل في تدقيق الروايات والأحاديث الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

ففي صحيح البخاري مثلاً، اعتمد البخاري معايير دقيقة جداً لغربلة كل حديث وأخضعه لمعايير معينة وقد اتفق في ما بعد على تسميتها بعلم أصول الحديث أو تخريج الأحاديث النبوية، أو علم الجرح والتعديل.

ويخضع كل حديث للغربلة وامتحان سنده ومتنه. فمن حيث السند، يخضع رواة الحديث لاختبار صدقية، فيقال رواته ثقات، والثقات هم من لم يعرف عنهم الكذب، ويخرج ذلك من أكثر من مصدر يجب أن تتفق جميعها على أن هذا الراوي ثقة، وإلا أسقطت روايته. ويسمى هذا العلم علم الرجال.

وقد بلغ من شدة عنايتهم بالرواية أن الإمام البخاري كان يريد أن يتصل بسنده إلى أحد التابعين، فذهب مسافراً يبحث عنه، وحين وصل وجد الرجل يحاول أن يمسك بحصان له بدون لجام، فرفع الرجل حرجه أو ثوبه ليوهم الحصان بأن في ثوبه طعاماً، فتقدم الحصان إليه فألبسه لجامه والبخاري ينظر، فلما رأى الضيف أقبل مرحّباً به، فقال أنا فلان وقد كنت في طلبك، قال بلغني أنك أردت مشافهتي في حديث كذا وكذا، قال كنت، أما الآن فلا آمن من خدع الحصان أن لا يصدق في ما روى عن رسول الله.

أما في ما خص متن الحديث نفسه، فالنص نفسه يعرض على القرآن، فما وافق القرآن أخذ به، وما خالفه يصنف تحت هذه البنود: (متروك، منكر، مطروح، مضعف، مدرج، شاذ، معلول).

وهكذا نرى أن اختبار النوعية هنا اتبع أقصى درجات التشدد في ما خص سند الحديث ومتنه. وكل ذلك للتحقق مما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم الوقوع في فخ الكذب المتعمد الذي جزاؤه النار.

دلالات

7F7C2416-B720-4906-ACFE-73D4127D7B5F
حسن علي مرعي

درست الشريعة في "أزهر لبنان"، فرع البقاع، ثم درست الحقوق في الجامعة اللبنانية، وأتابع دراسة الاقتصاد والعلوم السياسية في معهد ماستشوسش التقني وجامعة وست فرجينيا..أهتم بالأدب، شعره ونثره بالإضافة إلى العلوم السياسية والتاريخية، ولا يقلل هذا من اهتماماتي بالتاريخ أو بالاقتصاد وسائر العلوم الإنسانية الأخرى.