استمر... تصل

استمر... تصل

16 يناير 2018
+ الخط -
تنطلق كرة الثلج من مكانها، لا تبحث عن مناصرين يساعدونها، لا تصرخ طلبًا للدعم؛ فقط تنطلق صغيرة الحجم هزيلة التكوين، ثم إذا بها تكتسب حجمًا أكبر وتأثيرًا أوضح. التقدم نحو الهدف سمة أساسية ترمي لتحقيقه، هب أن مهندسًا يملك من المقومات ما لا يملكه غيره، ثم جلس في الظل ينتظر أن تأتيه الفرص المواتية، كم سينتظر من وقت؟ وما هي النسبة المتوقعة لنجاحه؟

في عالم الكيمياء فإن الفلزات تحتاج لفقد إلكترونات لتصل إلى حالةٍ من الاستقرار، فتسعى في نشاط وهمة للارتباط بالهالوجينات التي تبحث عن اكتساب إلكترونات. هناك عامل مشترك بينهما وهو الوصول لحالة من الاستقرار، وهذه الحالة ترتقي بهما لرتبة الغازات النبيلة. الحركة الدؤوب والسعي المتواصل هما ضمانة النجاح، لك أن تتغنى بالنجاح كل لحظة إن شئت، ولكن الفعل أقوى كثيرًا من الكلام؛ فانتخب لنفسك عملًا وواصل دون تخاذل، ولا تتوقع أن تؤدي في المرة الأولى ما يؤديه الخبراء، اصدق مع نفسك وحاول مرة تلو الأخرى.


المحاولات المتكررة هي سبيل الإتقان، كن ملحاحًا في التجربة دون تبرم، كل من نجح كان في أول طريقه مغمورًا، لست أفضل من أحد كما أنك لست أقل منهم؛ فاستمر في المحاولة دون انقطاع. قد تجني ثمارًا طيبة من تجاربك فلا تضيعها، سجل هذه الملاحظات وضعها نصب عينيك، فمن التوفيق حفظ التجربة، وإذا ما تعبت في معالجة فكرتك زاد شغفك بها وقبولك عليها. كان العلامة اللغوي السيد أحمد صقر قد كلف طلابه بالبحث عن مخطوطاتٍ بعينها في تركيا، عاد أحدهم بعد أربعين يومًا من العناء المتواصل، وقد أشرقت أسارير وجهه لعثوره على المكان وإنجاز المهمة، ولكن سرعان ما انطفأ نور وجهه واستبد به الغضب حين أخرج أستاذه مفكرة صغيرة، كانت تضم معلومات وافية عن تلك المخطوطة وتفاصيل مكانها.

شرح الأستاذ لتلميذه المسألة ببساطة: إن لم تبذل العرق في سبيل ما تريد؛ فلن تستمر في متابعته إذا لم تجد من يأخذ بيدك دائمًا، وعليك أن تجتهد لتحقق ما يعجز غيرك عن السعي في طلبه. مبدأ بسيط يرتكز على أن ما يأتي بسهولة يضيع بنفس تلك السهولة، ولأنك تريد تحقيق ذاتك وإثبات جدارتك؛ فإن ذلك يوجب عليك السهر على فكرتك، والاستمرار في العناية بها والتحسين فيها والتطوير عليها كلما سنحت لك الظروف.

يرى كبار الكتاب أن المحاولات الأولى للكتابة على سذاجتها إلا أنها مرحلة، هي مرحلة ساعدت في نضجهم وبلوغهم لما هم عليه الآن من قوة وتمكُّن وريادة في عالم الكتابة. هؤلاء صدقوا مع أنفسهم قبل أن يصدقوا مع القراء، فإن التحسين في العمل يكون بالمداومة على العمل والتدريب المستمر، ولا يكون بإنكار المراحل الأولى التي كانت حجر الأساس في هذا الصرح الكبير. لا تجد إنسانًا نجح بجهده وعرقه يتنكر لماضيه، بل إذا ما ذُكر هذا الماضي أطرى عليه وأفاض في سرد محاسنه، حتى وإن كان الماضي مترعًا بالمآسي؛ فإن هذه المعاناة صنعت المجد الذي شيده اليوم.

لا تتوقف عن حلمك لمجرد أنك تشعر بأنك لم تحقق الإنجاز الكبير، فالإنجازات الكبيرة تأخذ وقتًا طويلًا كما تأخذ الأشجار الكبيرة وقتًا كبيرًا لتقف شامخة، فلا تقارن الأشجار بالأعشاب وانظر لمدى قوة هذه وتلك!

إن كنت تبحث عن الثقافة ولا تجد وقتًا للقراءة؛ فاخلق الوقت واصنع الفرصة، ولو قرأت كل يومٍ ربع ساعة لوجدت نفسك تقرأ في السنة الواحدة 84 ساعة؛ فلا تستخفن بالأمر وابدأ الآن، فمن طلب شيئًا وجده.

دلالات