عن العمل... ساعاته وقدسيته!

عن العمل... ساعاته وقدسيته!

01 يناير 2018
+ الخط -
يعتقد الكثير من البعيدين عن جو العمل وصوره المختلفة في الولايات المتحدة الأميركية أنه يُعد من الأعمال البسيطة والمتواضعة، وهذا خطأ جسيم، لأنه فيه الكثير من الصعاب، وطول الوقت الذي طالما أجج المشاعر داخل الأسر العربية، بصورة عامة، المقيمة على الأراضي الأميركية، ما أدّى إلى نشوب الكثير من النزاعات، ومازال قسم كبير منها قائماً بسببه!

صحيح أيضا أن هناك سهولة في التعامل معه، وأن هناك تشوّقا كبيرا للقيام بأي عمل كان لأنه فيها الكثير من الاستسهال، وهذا الاستسهال فيه ضرر كبير، وهو كريه في نهاية المطاف.

فالأعمال التي يقوم بها العرب في مختلف الولايات الأميركية تتشابه إلى حد بعيد. يعملون في المراكز التجارية الكبرى كالــ"كروسريات"، ومحطات الوقود، ومحال الألبسة والمطاعم، ولكل عمل مزية خاصة، لكن ميزة رئيسية تشترك فيها جميع الأعمال، وهي ساعات العمل: اثنتا عشرة ساعة متواصلة يلزم العامل أن يتقيد بها بصرف النظر عن ظروفه.

وهذا الكلام ينسحب، والغريب في الموضوع، على أصحاب ومالكي المحال التجارية وشركائهم الذين يقضون جل وقتهم في مواقع عملهم أو على الأقل في المناطق التي يعملون فيها.

وقد اشتكت في إحدى المرات زوجة أصحاب هذه المحال إلى بعض رجال الدين، وخطباء المساجد، المتواجدة بكثرة هناك، عارضة عليهم مشكلتها: لا يمكنها أن تلتقي زوجها طوال أيام الأسبوع ولا يراه أبناؤه إلا في ساعة متأخرة من اليوم، وفي اليوم التالي يذهب إلى عمله مبكراً، وهكذا دواليك!

طلبت السيدة من الشيوخ الأفاضل توجيه الأزواج إلى التوقف عن العمل، وليوم واحد في الأسبوع، حتى يتسنى للزوج أن يمارس دوره في الحياة تجاه أسرته، وأن يلبي احتياجاتها وتستأنس أفراد عائلته به، بدلا من ضياع الوقت، وهو بعيد عنهم طوال فترة أيام الأسبوع، وبدون توقف، ما يخلق فجوة بين الأبناء ووالدهم، ويسد طريق التواصل، ويلجم إلى حد ما دور الأب حيال أولاده وزوجته وبيته، بعدما صار شبيها بآلة تدار من وقتٍ إلى آخر.. وهكذا!! وبالفعل، استعرض أحد المشايخ هذه المشكلة الاجتماعية التي تعاني منها أغلب الزوجات العربيات في أميركا..

وعرفت بعد ذلك أن أحدهم توقف، ولمدة أسبوع واحد عن العمل، إلا أنّه لم يستطع إكمال برنامج العطلة الأسبوعية التي من المقرر الالتزام بها، وإن كان ذلك يجمع مع أعز شيء في حياته، أهل بيته، حتى أعاد الكرةَ والتزم في عمله ضاربا عرض الحائط التعليمات الجديدة، فيكف يكون حال غير المتزوجين القادمين إلى أرض الأحلام بحثا عن عمل يسدون به فقرهم المدقع وحاجتهم في بلادهم الأم!

العرف في الولايات المتحدة الأميركية أن هناك صعوبة الحصول على العطلة الأسبوعية، وخاصة للعاملين في المحال التجارية، الذين يستمر بعضهم في العمل ساعات طويلة بدون توقف. إذ منهم من استمر في مواصلة عمله دون توقف، وندرة من أخذ بها وقام بتخصيص يوم راحة يلتفت به إلى أبنائه وزوجته، ويراعي مصالحهم ويشعرون بوجوده، وبحنان الأب المفقود، والذي يعيش معهم بالاسم فقط، ولكن العمل والوقت أخذ كل ما عنده من حصص يدفع بها إلى أسرته التي تنتظر قدومه، وبفارغ الصبر!

الأعمال التي يلتزم بها العامل لمدة اثنتي عشرة ساعة، فيحددها صاحب العمل.

وعلى الرغم من الجهد الذي يقوم به العامل العربي في الولايات المتحدة، فإنها تبدو مريحة قياسا بما يقوم به نظراؤه من جهد في الدول العربية، والسبب في ذلك تنظيم العمل ومقوّماته من أساس نجاحه واستسهاله.

إلا أن الصعوبة تكمن بزيادة ساعات العمل، والتي يقوم بها بعض العرب مقارنة بالعاملين الأميركيين الذين يكتفون بثماني ساعات عمل في اليوم، وأغلبها في النهار، لأنهم يخضعون لجو معين.

الأجمل أن الزبائن الرواد الذين يترددون على المحال التجارية، يلتزمون بالنظام العام بعيدا عن الفوضى العارمة التي تشهدها بعض بلادنا العربية. فالأولوية لمن وصل أولا.

كما العامل الأميركي يقدس قيمة العمل.. إذ تجده يبادر بالحضور إلى مكان عمله قبل نصف ساعة من الموعد المقرر، وينتظر ذلك ليأخذ دوره في العمل، أما بعض العمال العرب فيتأخرون كثيرا ويسيئون إلى باقي العرب، وهذا ما يجب أن يستوعبه المتأخرون دوما عن عملهم.
6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.