إني أرى بالرياضة مؤامرة

إني أرى بالرياضة مؤامرة

08 سبتمبر 2017
+ الخط -
سألت وأنا الذي لا علاقة لي بالرياضة، بل وتركت لعبة الشطرنج مذ علمت أنها محسوبة على الرياضة، عن المركز الذي حققه المنتخب السوري بإقصائيات مونديال كأس العالم، والذي يستأهل قتل سوريين برصاص الاحتفالات، وتمزيق صف المعارضة السورية، بعد أن انقسمت على من فيها، بين من يرى الفريق سوريّاً، وبين من يراه فريق النظام.

فقيل لي: المونديال العام المقبل بروسيا، لكن الفريق السوري تأهل إلى الملحق الآسيوي.

ولجهلي الذي حدثتكم عنه بقطاع الرياضة والرياضيين، طلبت الشرح والتفصيل، فأجابوني أن المنتخب السوري تأهل إلى الملحق الآسيوي بعد حلوله ثالثاً ضمن المجموعة الأولى، إثر تعادله مع إيران بهدفين لكل منهما.

وأفادوني مشكورين بأن منتخب سورية سيلتقي في الملحق الآسيوي ذهابا وإيابا مع منتخب أستراليا، ثالث المجموعة الثانية، والفائز منهما يواجه رابع منطقة الكونكاكاف (أميركا الشمالية والوسطى والكاريبي) لتحديد المتأهل إلى نهائيات كأس العالم.

فسألت باستغراب أضحك محدثي: "يعني كل الأفراح والشتائم والتخوين وإطلاق النار، لأن الفريق ترشح لملحق؟"، فرد: "نعم، وعلى الأرجح سيهزم أمام أستراليا".

فسألت للمرة الأخيرة: ولماذا كل ذلك إذاً؟!

فأجابني محدثي أن للحكاية، برأيه، وجهين، الأول لأن الرياضة من أهم أدوات السياسيين لإلهاء الشعوب، وخاصة في المجتمعات الفقيرة والمضطهدة، كما أنها استثمار للأغنياء وتسلية وهروب ومتعة للشعوب، وتعلم أن الشعب السوري يبحث عن وطن منذ سنوات، ولعله وجد بفريق كرة القدم وطنه المنشود الذي لمّ الجميع حوله.

والنقطة الثانية المتصلة بالأولى أن نظام بشار الأسد، ولعلمه بدور كرة القدم، حاول استثمارها، ضمن سلسلة انتصاراته، ليتمم تسويق سورية بخير ومنتصرة، حتى لو كان الآخر إيرانيا.

قصارى القول: إذاً كنّا أمام جولة سياسية بامتياز، تعدى صداها الحدود السورية حينما وصل الخلاف لأبناء سورية بالمنافي والمهاجر، وخاصة بعد إلباس اللاعبين قمصاناً عليها صور بشار الأسد، واعتبار الانتصار (يعني التأهل للملحق) انتصاراً لجنود الأسد، وغير مسموح للإرهابيين المعارضين المشاركة به، بحسب ما أورد بعض رجالات الأسد، من شاكلة شريف شحادة وعارف الطويل.

وجولة سياسية، لأنها كشفت بعض النوايا بين سوريي الداخل المؤيدين لبشار الأسد تجاه إيران والإيرانيين، والعكس صحيح.

فما تم نقله عن أهازيج اللاعبين وهم بغرف تبديل الملابس دليل، وما قرأناه عن هزيمة إيران مؤشر، ليأتي الإفصاح من الآخر، أي الإيراني، أكثر وضوحاً، إذ شنّ إيرانيون هجوما عنيفا عبر "السوشيال ميديا" على شبيحة الأسد، واتهموهم بـ"الطنطات" الذين يتركون الحرب ليرصوا بالملاعب، مشبهين سورية بـ"الولد المائع" الذي يعتمد على إيران، حتى بكرة القدم، لتقدم له الفوز بالمباراة هدية، لطالما ضمنت تأهلها.

وتبع ذلك طلب عضو لجنة الأمن والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، حسمت الله فلاحت بيشة، إلى وزير الرياضة أن يقدم توضيحا حول نتيجة مباراة منتخب بلاده وضيفه السوري، ضمن تصفيات مونديال 2018، واصفاً النتيجة بالتواطؤ: "على وزير الرياضة أن يقدم توضيحا عن إمكانية تواطؤ المنتخب الإيراني مع نظيره السوري، فنتيجة اليوم لا تتناسب مع أداء المنتخب الأول في آسيا".

ومؤامرة أيضاً، لأن كثرا من المصلحين، داخل سورية وخارجها، من السوريين وحتى غير السوريين، رأوا بالجمهرة حول "الماتش" أن الشعب السوري واحد، وها هو التأم وسامح ونسي جرائم الأسد، من قتل وتهجير واعتقال، بل وتمادوا بحسهم الإصلاحي أنه لا حاجة لرحيل بشار الأسد.

خلاصة القول: من المستغرب ربما أن يختلف السوريون، كما رأينا ولحدود الشتيمة والتخوين، حول مباراة بكرة القدم، لكن الغرابة الأكبر أن تأخذهم المباراة عمّا هم فيه وعليه، وكأن لا هم لديهم سوى أن يصل الفريق الرياضي للملحق المأمول.

إذ تزامن مع اللعبة إهداء مدينة دير الزور لنظام بشار الأسد، من خلال مسرحية روسية جديدة، وبحضور أميركي، إن لم نقل مشاركة في إعداد.

وترافق مع المباراة صدور تقرير محققي جرائم الحرب التابعين للأمم المتحدة المؤكد لاستخدام نظام الأسد أسلحة كيميائية 20 مرة خلال حربه على الثورة.

وعقب المباراة كان تصريح المبعوث الدولي ستيفان دي ميتسورا أن المعارضة لم تنتصر في حربها على بشار الأسد. وسبقتها (المباراة) محاولات سعودية وروسية مكثفة لإدخال منصة موسكو ضمن الهيئة العليا للتفاوض، واعتبار مطلب رحيل بشار الأسد شرطا مسبقا وغير وراد الآن، في وظل "الواقعية السياسية" التي يروجون لها لإعادة إنتاج النظام السوري.

ففي واقع كل تلك الأحداث التي قد لا تبقي ثورة ولا تذر، والمشفوعة بقتل وتهجير السوريين في محافظتي الرقة والحسكة، بحجة محاربة الإرهاب، واقتطاع أجزاء من سورية للضامنين والوسطاء ورفع أعلامهم عليها، والسوريون غارقون بتمثيل فريق الكرة.

فبالله عليكم الرياضة، وخاصة في بلاد محكومة من ديكتاتوريين، مؤامرة أم لا؟!