التوبيخ حق مشروع للدائنين

التوبيخ حق مشروع للدائنين

05 سبتمبر 2017
+ الخط -
نجح أبو الجود في إطلاق لقب "الكباسين" على الدائنين، وإشاعة اللقب بين الناس في مدينة إدلب، فما عدت تسمع مَن يستخدم لفظة "الدائنين" إلا نادراً؛ فذات مرة كان أحد أقاربي يحكي لي كيف أن الله وفقه بشغل يدر عليه دخلاً جيداً، فاستطاع أن يتخلص من كل "الكباسين" بالتدريج، وقبل أيام فقط سدد لآخر "كباس" دينه وصار يحمد ربه على انعدام "الكباسين" في حياته! 

وأحد أصدقائنا كان يدرس في كلية الاقتصاد والتجارة باختصاص "محاسبة"، وفي أحد الدروس سأله الأستاذ عن عملية القَيْد المحاسَبي كيف تُكْتَب، فأخذ يشرح له أساسها العلمي حتى وصل إلى المعادلة الشهيرة: من الصندوق والمصرف.. (إلى الدائنين)، فكتب مكانها: من الصندوق والمصرف.. إلى الكَبَّاسين!
بالإضافة إلى مصطلح "الكباسين" اخترع أبو الجود مصطلح "الطرق الآمنة"، وهو كان يَعْرف الطرق الخالية من الكباسين غيباً، ويسلكها مرفوع الرأس، غير خائف ولا وجل، ويفيدك أن هذه الطرق تصبح أحياناً غير آمنة فيما لو خطب أحد الكباسين بنتاً تسكن في هذه الحارة، أو إذا أقيم عرسٌ لأحد أقارب الكباسين وجاء الكباس ليحضر العرس، أو إذا حصلت وفاة لشخص يلوذ ببعض الكباسين بصلة قرابة.. إلخ.

مرة، وبينما كان أبو الجود يحكي لنا عن أنواع الكباسين، ضحك وقال:
وعلى قولة إخوتنا المصريين، كله كوم والكباس أبو عبدو الدركزوللي كوم.
سألناه: وما حكايته؟
قال: كان له في ذمتي مئة ليرة سورية، وكان كلما التقاني، أو ضبطني في كبسة مبيتة، يسحب لي سحبة توبيخ يعجز صباح فخري (المسجل في موسوعة غينيس للأرقام القياسية) عن الإتيان بمثلها.
قال له صديقنا أبو أنس: يا أخي ما أطول بالك! وهل كنت تحتمل هذا كله؟
قال أبو الجود: أقسم بشرفي على أنني لم أكن أحتمله، حتى إنني، على إثر إحدى الكبسات، هرعت إلى البيت، وعقدت اجتماعاً عائلياً مع السيدات اللواتي يلذن بي، أمي وأخواتي وعمتي وخالتي، وعرضت عليهن المشكلة بحذافيرها. وقلت لهم ممثلاً دور الرجل المقهور الذي تغرغر عيناه بالدموع:
- أفيرضيكن هذا أيتها السيدات والسادة؟
وقلت لخالتي العانس التي كان زوجها قد جعلها عضواً في حزب البعث ثم أصبحت أمينة فرقة: وأنت يا رفيقة، أيرضيك هذا؟
غرغرت الدموع في مآقي النسوان اللواتي يلذني بي، ولأن زوج عمتي نورا من قبضايات الحارة الشمالية فقد قامت بحركة تشبه حركة القبضايات في المواقف الرجولية، إذ مدّت يدها إلى غطاء رأسها وسحبته بقوة وضربته بالأرض وقالت:
- باطل على أخوات الرجال، أنا ينذل أبن أخي وأبقى جالسة هنا؟ لا قرت أعين الجبانات.
ومدت يدها إلى عبها وأخرجت واحدة من الأساور الذهبية الأربع التي كانت تحتفظ بهن ذكرى من جدي المرحوم، وطلبت مني أن أبيعها وأسدد ثمنها للكباس الدركزوللي الحقير.
قلت لأبو الجود: والله إنه حل ممتاز.
قال: ولكن الدركزوللي المحترم لم يقبل!
سألنه مندهشين: لم يقبل! لماذا؟
قال: تصور، لقد ذهبت إليه وقدمت له المائة ليرة فقال لي:
- يا أخي أبو الجود، إنني أوبخك وأقرعك وأبهدلك بهدلة الكلاب لأنك مدين لي بهذا المبلغ، فإذا دفعته لي بأي حق أبهدلك وأوبخك؟
بالفعل إنها فكرة منطقية.

دلالات

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...