كُلْ جيداً فأنت حقير

كُلْ جيداً فأنت حقير

29 سبتمبر 2017
+ الخط -
في أيام يفاعتي كنت مولعاً بالتدخين. كانت العلبة الواحدة من سجائر الشرق تباع بليرة وعشرة قروش، بينما علبة سجائر الحمراء، وهي الأغلى سعراً، تباع بليرة وربع، وأما بقية الأنواع فيبدأ هبوط أسعارها من الـ 60 قرشاً حتى الـ 25 قرشاً، وفي أدنى المستويات تقع السجائر الملأى بالعيدان والأوساخ، ماركة "الريف"، والسجائر العسكرية التي تحمل اسم "خصوصي للجيش"، وهي نفسها التي غَيَّرْنا اسمها ليصبح: خصوصي للسَّعْلة!

وفي ذات يوم، دخل علينا مدير المدرسة، وأمين السر، والموجه، والآذن، على نحو مفاجئ كما لو أنهم دورية شرطة تداهم وكراً للقمار أو لتعاطي الحشيش، وأمرونا أن نقف ونرفع أيدينا إلى الأعلى، وانخرطوا في عملية تفتيش جيوبنا وجواربنا والدروج المخصصة للكتب والدفاتر.. وكان أن عثروا في درج زميلنا مطيع على علبة سجائر "الشرق".. وكان مطيع قد امتنع، قبل يومين، عن دفع قسط الاقتصاد والنشاط المدرسيين، بحجة أن والده فقير، فقال له المدير مستنكراً: فقير وتدخن "شرق"؟!

كنا، أيامئذ، في عمر المرح والسخرية والضحك، لذلك أمسكنا العبارة وصرنا نطبقها على بعضنا البعض في أوقات التدخين، مع تحوير يناسب الحالة، كأن نقول: 

لأحمد معرق: فقير وتدخن حمراء؟ 

ولمصطفى محسن: مفلس وتأكل الفستق الحلبي؟.. 

وأما صديقنا الحبيب ريمون، فكنا نقول له وهو يتعلم العزف على القانون: 

- حقير.. وتعزف على القانون؟!

وعلى ذكر كلمة (حقير).. رُوِي عن أحد أصدقائنا الكتاب، وهو رجل صغير الجسم، أنه التقى بباحث أجنبي كان قد تعلم اللغة العربية من القاموس، ومن جملة ما تعلم أن كلمة "حقير" تعني الرجل ذا الجسم الصغير، وبينما كان هو والباحث الأجنبي يتناولان الطعام في أحد مطاعم سوق "مدحت باشا"، قال له الباحث: 

- كُلْ يا صديقي، كُلْ وَغَذِّ نفسَكَ جيداً، فأنت حقير!

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...