علي الديك وسوق البراغيث

علي الديك وسوق البراغيث

12 سبتمبر 2017
+ الخط -
ألزمني ابني رامي هذا الصباح بمرافقته في سيارتي طبعاً إلى "سوق البراغيث"، وهو سوق شعبي على طريقة سوق الجمعة في بلدنا، حيث يهرب إليه الناس للمتعة وممارسة هواية التسوق، فتجد فيه القديم المستعمل والجديد، بسعر رخيص، قبل الغزو الصيني لأسواق العالم، ويبعد عن مدينة مونتريال بحدود الثلاثين كيلومتراً.

كان هدف السيد رامي، الباطني، قيادة السيارة طبعاً، وذلك قبل حصوله على رخصة سواقة كاملة "الأوصاف".

لاحظت أن ابني، مثل جميع شباب وصبايا جيله، يستعمل هاتفه النقال، أثناء سياقة السيارة من أجل الاستماع إلى الأغاني مباشرة من الإنترنت، فلم يعد حامل الهاتف الذكي بحاجة لتسجيل الأغاني على أسطوانات صلبة، ومن ثم الاستماع لها عندما يرغب، فكل الأغاني متوفرة الآن على الإنترنت مباشرة. المهم عندما انطلق بالسيارة، وضع أغنية لفيروز، وسألني: ألا تحب فيروز؟ 

قلت له طبعا أحبها، فهي رفيقة عمري منذ أن كنت طفلاً، رغم خيبة أملي منها الآن بسبب عدم وضوح موقفها من الثورة السورية، وصمتها عن المجازر التي يتعرض لها شعبنا كل يوم. نظر رامي إلي، ثم قال: ما رأيك إذا بعلي الديك؟
قلت
له: هذا واحد حقير.
قال
: ألأنه مع الأسد؟
قلت
له: ألا يكفي هذا أيها الشاب؟
وكانت
المفاجأة انه أوقف السيارة على اليمين، ثم التفت إلي قائلاً: هل تتكلم عن جد؟ هل أنت تكره علي الديك لأنه فقط مع الأسد؟

ألهذه الدرجة تختلط المواقف عندكم بين السياسة والفنون والرياضة ربما؟

ولما كان من الصعب علي شرح كل شيء إلى ابني الذي لا يعرف سورية، وعربيته بسيطة تناسب حاجات البيت فقط، وفرنسيتي لا تسمح لي بالدخول معه في جدل ثقافي، عن المستوى الهابط لأغاني علي الديك، ومعاني الكلمات السخيفة، ومواقفه السياسية الطائفية والاستفزازية، واحتقاره حتى المعجبين به، فقد اكتفيت بالقول لابني الشاب، الذي أسعدني اهتمامه الجديد بالأغاني العربية: نعم يا بني، أحتقر هذا المطرب، وكل إنسان يقف مع نظام الأسد.

قال
ابني دون أن يبتسم هذه المرة: آسف يا والدي، واعذرني إذا قلت إن موقفك هذا يشبه مواقف الأطفال الذين يريدون إغاظة زملائهم، ولا يعتمدون على العقل. أفهم أنك معارض للأسد قبل أن أولد، ولكن الموقف السياسي شيء، والموقف من الفنانين والأدباء المؤيدين شيء آخر، هذا النظام سيسقط بالتأكيد، فماذا أنتم فاعلون بعده بالفنانين والأدباء والتجار والفلاحين والصناعيين، وكل جوانب النشاط الإنساني الآخر الذي كان يدور في دائرة النظام، هل ستلغون كل شيء؟

ألا
تعتقدون أنكم بأفكاركم هذه، في حال تطبيقها، تعيدون المجتمع السوري إلى العصر البدائي بأيديكم وليس بأيدي الأسد؟

قلت: نعم يا ولدي، لا نستطيع فصل السياسة عن بقية الأنشطة الإنسانية كلها، صحيح أنها أحياناً غير واضحة في بعض النشاطات، ولكنها موجودة دائماً، فحياة الإنسان هي سياسة.

كنت سعيداً من مرافعة ابني، ابن العشرين، والذي ولد في مونتريال ولا يعرف سورية إلا من خلال أهله، وكنت مسروراً بما قاله، رغم عدم اتفاقي معه. 

اقتربت من سائق السيارة وقبلته، وطلبت منه متابعة طريقه، رغم إصراري على عدم سماع علي الديك، واختياري لصباح فخري وقدوده الحلبية، مستغلاً الفرصة لأقول له: حلب مدينة عمرها سبعة آلاف عام، هدمها الأسد، وصفق له علي الديك. 

65BA1F44-59A2-4240-B737-8FB8776C9F64
65BA1F44-59A2-4240-B737-8FB8776C9F64
ميخائيل سعد
ميخائيل سعد

مدونات أخرى