لم نكن لنقتل بعضنا لو اهتممنا بتربية الكلاب

لم نكن لنقتل بعضنا لو اهتممنا بتربية الكلاب

05 اغسطس 2017
+ الخط -
هم يحبون الكلاب كثيراً، وهي ثقافة أوروبية شهدتها في هولندا وناقشت كثيرين فيها، خاصة بعد أن سمعت أحدهم ينادي كلبه: "هيا.. لقد مللت من جرك علينا أن نسرع نحو المنزل لكي نتناول العشاء يا عزيزي"!

كنت وحيداً أنظف حديقة منزلي، وإذا بامرأة تمر أمام المنزل "تبربر" بلكنة وكأنها تخاطب أحداً سيرد عليها، لا وبل تحسبها تناقشه منذ أن خرجت من منزلها، التفت نحوها لأتعرف على من تحاور فأنا لم أسمع صوته يرد.. وإذا به من النوع الذي يرد نباحاً.

ابتسمت وسألتها: "ما سر صداقتكم بالكلاب هذه؟ كيف تكلمون من ليس بشراً مثلنا؟" فأجابت: "أنتَ إن داعبت طفلاً رضيعاً وكلمته ودللته.. هو لا يفهمك إطلاقاً، لكنك تحسبه يفهم، وتبقى تزرع فيه كلامك إلى أن يكبر ويصبح مثلك فيكلمك بمثل ما كلمتَه أنت، وهكذا نحن نتعامل مع هذه الحيوانات!".

رأيت في سورية بعض من يهتمون بتربية الكلاب، وصديقي عثمان أحدهم، لكن لم أصادف أحداً اعتبر كلبه دفتره ونديمه، لم أقترب من هذه الثقافة كما أفعل الآن، ولم تدهشني قبلاً هذه العلاقة الحميمة بين كلب وصاحبه.

جل معرفتي عن العلاقة بين الكلب وصاحبه هي صور ثابتة في ذهني عن راع يحتاج كلبه ليحرس له قطيع أغنامه، وآخرون استخدموا الكلاب ليحرسوا بها منشآتهم، وعرفت خلال حياتي بأن تربية الحيوانات الأليفة قد تدل على وحدانية صاحب هذا الكلب. لكني لم أدرك أنه قد يرتقي ليكون بمثابة الابن.

في هولندا، بعد السادسة مساءً، إن أردتَ أن تمشي قليلاً في الحي الذي تسكن فيه، سترى أكثر من عشرة أشخاص يجر كل واحد منهم كلبه أو كلابه وراءه ويقطعون سوية ميلاً أو أكثر، وقد تراهم يكلمون كلابهم ويشرحون لهم يومياتهم، ويأمرونهم بالقيام بتصرفات معينة باستخدام اللغة البشرية العادية، وليس بالحركات والهمزات أو الإشارات ولا حتى بلغة الهمهمة والهشهشة التي تستخدم مع الحيوانات.. لا بل يستخدمون اللغة المحكية السليمة.
وصادف أن رأيت في مطعم فتاة هولندية تطعم كلبها من ذات وجبتها، وعيناها تشعان حباً، وحين توصلت مع كلبها لاتفاق حول طريقة الأكل، تملكتها غبطة لا مثيل لها، وكأن ولدها قد تعلم المشي بعد عناء طويل. 

يعتبرون اتخاذ كلب كصديق هو أفضل من اتخاذ بشري كصديق؛ فالأخير قد يغدر أو يفضل حياته الشخصية على أن يستمر معك، لن يفرغ من أجلك تماماً، بينما يمكن للكلب أن يكون لك بكامل وقته واهتمامه وقدراته، ليس أنانياً ولا مشكلة لديه بأن يستمع إلى همومك مهما كانت مملة.

ولا يقتصر وجود الكلب على الوحيدين، والذين يعيشون بلا أولاد أو ما شابه، فأيضاً من الضروري وجود حيوان أليف في بيت ينمو فيه طفل صغير، فأن يتعود الطفل على وجود الحيوانات الأليفة حوله منذ صغره خير له من النفور منهم عندما يكبر، وهذا ما يجعلنا مختلفين في هذه الثقافة. فإن لم يخف واحدنا من الكلاب فعلى الأقل لا يستسيغ وجودهم في منزله وعلى طاولة العشاء وفي السرير. وذلك لأننا لم نعهد اقترابهم بهذه الحميمية منذ نعومة أظافرنا.

وتبقى ثقافة تربية الكلاب خصوصاً والحيوانات الأليفة عموماً هي واحدة من جملة الهدوء والسلام التي ينعم بها هذا الشعب الأوروبي، فكرة واحدة من مجمل الأفكار التي تجعل الشخص الأوروبي شخصاً مسالماً أقرب إلى الطفل، وتدهشه أبسط صورة تتحدث عن مأساة أو حرب أو غضب. وتربكه فكرة الحرب حتى تجعله لا يتصورها إطلاقاً.. إلا الذين علمتهم تربية الكلاب فنون النباح والعض.. وهم قلائل!

دلالات

074C0853-666C-4C08-B790-7BB0EE69C856
نور عجوم

كاتب صحافي... بدأت بالعمل الصحفي في سوريا ثم تابعت في عدد من الصحف الهولندية.