سياسات المقاومة

سياسات المقاومة

24 اغسطس 2017
+ الخط -


هل من الممكن الحديث عن مفهوم منضبط محدد، كالسياسات العامة، في إطار مشروع مقاومة، تحرري؟ 

تُحاول هذه التدوينة البحث عن أنماط المواجهة والمقاومة المتاحة للفلسطيني في إطار سعيه للاحتكاك المستمر، والتناقض الدائم مع مشروع الاحتلال لضمان ديمومة الصراع، باستخدام كل الوسائل المتاحة، والممكنة للتعبير عن إرادة التحرر، في إطار تحليلي منضبط، يدعى السياسات العامة.

فالمقاومة الفلسطينية مصطلح يشير إلى الحراك والعمليات التي تدعو أو تدعم مقاومة الاحتلال والاضطهاد والاستعمار الصهيوني للفلسطينيين والأرض الفلسطينية وتسعى لرفعه. ومن منظور تحليل الوضع الراهن يمكن القول إن أشكال المواجهة والمقاومة الحالية. من حيث ماهيتها تنقسم بين نوعين: مدنية (الشعبية) وأخرى مسلحة مع ضرورة الإشارة إلى أن هذا التقسيم لا يعني أن استخدام إحداها يعني ترك الأخرى، بل لا بد أن تتكامل ضمن استراتيجية نضال توافقية وطنية واحدة، "ما يجب أن يكون"، أما الوضع الراهن فيوحي بوجود تناقض بين الرؤيتين.

سياسات المقاومة الشعبية، تقع ضمن تدخلات أربعة: المقاومة ضد الجدار، والمظاهرات والاحتجاجات وحملة المقاطعة وسحب الاستثمارات، الأسرى والتضامن الشعبي والإضرابات عن الطعام. أما الكفاح المسلح، كسياسات متناقضة مع سياسات التسوية السياسية من خلال المفاوضات، تطرح ضمن التقسيم الجغرافي (الضفة الغربية، وقطاع غزة)، وشكل المقاومة الفردية كشكل تدخلات نضالية أطلقها الفلسطيني مؤخراً.

ويؤخذ على المقاومة الشعبية كونها ذات طابع رمزي/ مشهدي/ نظري، ولا تقتصر هذه المشهدية على نشطائها بل تتعداهم إلى مجمل الحركة الوطنية والتي تستند إلى الاستخدام البلاغي والخطابة الإعلامية للمقاومة الشعبية من دون أن يكون هناك أدنى مستوى من الجدية سواء في التنظيم أو المشاركة أو السعي لتطوير آليات أو قواعد اقتصادية-اجتماعية من أجل إنجاحها.

في الضفة الغربية وبفعل سياسات السلام الاقتصادي، والعقيدة الأمنية المطبقة لم يعد هناك بيئة حاضنة بالشكل اللازم لتنفيذ سياسات تحررية، وقطاع غزة يعيش أوضاعا مأزومة اقتصاديا واجتماعياً، جعلت احتجاجات الأفراد تنحصر على احتجاجات مطلبية لتحسين الأوضاع.

فالسياق الاقتصادي الاجتماعي السياسي لا يدعم تبني استراتيجية مقاومة تحريرية.
في بداية التدوينة طُرح التالي: هل من الممكن الحديث عن مفهوم منضبط محدد، كالسياسات العامة، في إطار مشروع مقاومة، تحرري؟ وما الذي يحكم الإطار التحليلي للظرفية الفلسطينية سواء في وضع السياسات أو تحديد الخيارات؟

طبيعة حقل السياسات العامة طبيعة منضبطة، على الرغم من سمته البينية. تنامي الاهتمام بهذا الحقل يعزى إلى جهود ومساهمات لاسويل، والذي حاجج عام 1951 حول ما يعنيه هذا المصطلح الذي قام بتأسيسه، والذي يتطلب الدراسة التطبيقية، ومتعددة الاختصاصات لمعالجة المشكلات التي تواجه الحكومات، من خلال عدسة ومنظور العلوم الاجتماعية. فأراد لاسويل لعلم السياسات أن يكون بمثابة الضابط والموضح والمشكل لصنع السياسات العامة. فيعرفه كحقل موجه للتعامل مع المشكلات ذي الطبيعة متعددة الاختصاصات، مركب نظرياً ومنهجياً، وموجه لتحقيق قيم معينة. وخلال الخمسينيات وحتى السبعينيات شهد حقل دراسة السياسات توسعاً ملحوظاً، وبذلك أصبح حقلاً يركز اهتمامه على مخرجات الحكومات.

فلسطينياً لا تسير المعادلة بهذا المنطق، حيث يُثار النقاش ملياً، حول الكينونة والماهية، فهل نحن أمام حركة تحرر وطني؟ أم أننا بصدد الحديث عن بناء مؤسسات دولة؟ وفي هذه الحالة، من الجدير المفيد أن يبدأ التحليل من خلال الوقوف على المقاصد والأهداف. قد تبدو أهداف سياسات المقاومة واضحة، بديهية، بمعنى التحرر، والدفاع عن الأرض، إلا أن ذلك أبعد ما يكون. فافتراض أن الأهداف وسلم الأولويات واضحة لدى متخذ القرار، ولا تحتاج إلى إعادة نظر هو معقل المشكلة. فالتركيز على آليات التنفيذ له من الأهمية الشيء الكبير ولكن آليات التنفيذ التي لا تخدم أهدافاً واضحة ستتحول مع مرور الوقت إلى إجراءات قائمة بذاتها، بل رموز، تخدم نفسها وتستنزف الطاقات والوقت. فيفرض الهدف (الذي هو بمثابة الدلالة) وجود علاقة بين دال ومدلول أي (الهدف)، وبين رمز وما يرمز إليه.

وعندما يكتفي الرمز بذاته، وتكون مرجعيته نفسه، يصبح ما يدل عليه هذا الرمز من خارج الواقع وبلا هدف، وبذلك يختفي الواقع، ويظهر "فوق – الواقع"، ويضيع الهدف، بما يجعل في المحصلة من المقاصد العامة مسألة هامشية، فآلية المواجهة ما هي إلا جزء من مشروع تسوية سياسية الابتغاء منه هو الحفاظ على الوضع الراهن في إطار سياسة البديل الوحيد، ولا تصب إطلاقاً في مساعي التحرير. فتبدأ الإشكالية من الإطار التحليلي المستخدم للتعبير عن الظرف الفلسطيني، هذا يترتب عليه الحؤول دون تحديد أهداف واضحة، وما يستتبعه أيضا من الحؤول دون تحديد سياسات فعالة. فعدم وضوح إطار التحليل (التعدد) أو استخدام الإطار الخاطئ يقود إلى عدم وضوح الأهداف، وبالتالي تشويش الاستراتيجية، المحصلة لا سياسات إنما (ردود فعل).

المتفق عليه في المرحلة الراهنة هو إقامة دولة ذات سيادة على طول 1967 مع إسرائيل، ولكن هذا الهدف تحول إلى عمليات تسوية سياسية للحفاظ على الوضع الراهن. في حين أن ما يجب أن يكون: (إعمال الحقوق على أرض فلسطين وفي ملكيتها). فالحل النهائي: ليس هو فعليا موضع الجدل، بل لا بد من تحويل النقاش إلى حيث البدء: أي الأهداف السياسية المتمركزة حول الحقوق الأساسية التالية مسبوقة بحق تقرير المصير:

أولا: التحرر من الاحتلال، والاستعمار، ثانياً: حق اللاجئين في العودة الى ديارهم وممتلكاتهم، ثالثاً: عدم التمييز والمساواة التامة بين المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل.

تَكمن أهميّة "السياسات العامة" في أنّها تعني الخروج من حالة الارتجال والعشوائية في إدارة الشأن العام والجماعي إلى التخطيط والتفكير العلميين، بمفهومها التقليدي، تُركّز على الدور الذي تلعبه الهيئات الرسمية (الحكومية) في الشأن. وإن كانت مدارس جديدة باتت تُدخِل عددًا كبيرًا من الفاعلين في العملية، ضمن الحديث عن مجتمع الشبكات. فعمليات السياسات العامة تبدأ من تحديد المشكلة والأجندة وصولًا إلى تنفيذ سياسات معينة وتقييمها. وخصوصية الوضع الفلسطيني (الاحتلال) تجعل جزءًا كبيرًا من مهمات الحياة اليومية، ومتطلبات الحركة الوطنية الفلسطينية، أمرا تتحمل أعباءه الجهات الرسمية والمجتمع المدني، أكثر مما هو معتاد في المجتمعات الأخرى.

والمشكلة الحالية تدور حول عدم التوافق حول الإطار التحليلي المشترك للتعبير عن الظرف الفلسطيني، هذا يترتب عليه الحؤول دون تحديد رؤية واضحة تنبثق منها، أهداف واضحة، وما يستتبعه أيضا من الحؤول دون تحديد سياسات فعالة.

فلا بد من إجماع على الإطار التحليلي المناسب للظرف الفلسطيني، فتعدد الأطر يشوه الرؤية، الاستراتيجيات، والسياسات والأهداف. كما أن النقاش السياساتي لا يبدأ من طرح حل نهائي أي دولة ام دولتين، هذه مجرد صيغ تعكس انقطاعا عن الواقع.

أخيراً: لا بد من تحديد ما إذا كان الحديث يدور عن كيانات سياسية سلطوية، ام حركات تحرر، وهل هناك سبيل للجمع بينها. أي بين الكيانية السياسية الرسمية، وحركة التحرر.

ومن ثم يمكن النظر للبدائل المتاحة كسياسات تطرح تدخلات قادرة على تحقيق انتصار، تقوم على استبدال حالة الاحتلال بالحرية، بما يتطلبه ذلك من الانسلاخ التام عن المحتل، وإنشاء مشروع تحرري مستقل له برنامجه وسياساته غير المرتبطة بمشروع المحتل، وبأدوات تكفل عدم إعادة إنتاج الظرف الراهن بأي شكل كان.

908B684F-5FCC-4E16-A6E6-B07ADC6C95E9
سجى الطرمان

باحثة فلسطينية تقول: الاقتصاد في الأراضي الفلسطينية المحتلة عموما يختنق ويجرد من كامل قدرته على خلق فرص العمل بسبب بنية الاستعمار الاستيطاني الإحلالي الإسرائيلي ولابد من إعادة المسألة إلى جذورها وعياً وممارسة.