نظرته تجعل عظام المؤخرة ترتجف

نظرته تجعل عظام المؤخرة ترتجف

02 اغسطس 2017
+ الخط -
يُعَلّمُ المعلمون والمُرَبُّون في البلاد الاستعمارية الحقيرة أولادَهم الشجاعة والاعتداد بالنفس والدفاع عن حقوقهم في وجه من يريدون اضطهادهم، حتى ولو كان المضطهِدون آباءهم وأمهاتهم وإخوتهم. 

وأما المبدأ الأساسي للتربية في بلادنا، التي تشبه الجنات على مد النظر فهو العنف الذي تتفرع عنه مترادفات كثيرة، منها: الضرب، والعفس، والتعجيق، والقسر، واللوم، والزجر، والتقريع، والتوبيخ، والحجب، والمنع، والتطويع، والإذعان، والأمر، والنهي.. ومترادفات تبدو أقل عنفاً من سابقاتها مثل: التوجيه، والتعليم، والتهذيب، والصقل، والتثقيف، والتوعية.. وعلى أيام حافظ الأسد كان الإعلام يشنُّ على المواطنين (حملات توعية).. ويسمون الرجل الذي يقودها: التَوْعَوي!

في ذات يوم مضى.. عثرتُ، أنا محسوبكم، على فكرة لا يوجد أحلى منها تحت الشمس، وهي أن الأم التي رأى الشاعر، حافظ إبراهيم، أن إعدادها بشكل جيد يؤدي إلى إعداد شعب طيب الأعراق، ليست أفضل حالاً من الآباء والأعمام والأخوال والجدود والجدات والخالات والعمات، لا بل إنها الأكثر بؤساً وجهلاً بينهم، لأنها تبدأ بالتعرض للاضطهاد منذ لحظة نزولها من بطن أمها،.. إذ بمجرد ما تخرج إلى الحياة وهي تصيح "واع.. ويع"، وتعرف المولدة أنها بنت "مصفوقة" يكفهر وجهها، ووجوه الحاضرات من بنات جنسها، ويبدأن بتقديم التعازي إلى أمها قائلات:

- الحمد لله على قيامك بالسلامة، المهم أنها خلقة شريفة! وإذا هالمرة ما أجاكي صبي إن شاء الله في المرة القادمة يأتيك صبي يملأ حضنك.

ومعروف لدى الجميع أن العنف ضد البشر في البلاد "غير الاستعمارية" التي تشبه الجنات على مد النظر يبدأ من البيت ولا ينتهي في المدرسة.. وإذا كان بعض الآباء لا يضربون أولادهم وزوجاتهم، فإن واحدهم يستطيع أن يجلس في المقهى ويلف ساقاً على ساق، ويتباهى على أقرانه قائلاً لهم:

- أنا لا أضربهم، صحيح، ولكن نظرة واحدة مني في وجوه زوجتي وأولادي تجعل عظام مؤخراتهم ترتجف خوفاً.

ثم يضحك ويتهانف ويضيف: مع أن المؤخرات كما تعلمون لا يوجد فيها عظام!

فيضحك الآخرون مسرورين من خفة دمه، ويجامله أحدهم بكلمتين: 

- والله يا عمي أنت قبضاي، وشجاع!

فينتفش مثل الديك المزابلي، ويسره هذا المديح الذي يستحقه، ويستمر في سياسته التربوية الحديثة التي تتلخص في جعل عظام مؤخرات أفراد أسرته ترتجف.

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...