من حق المعلم أن يورّم وجه التلميذ

من حق المعلم أن يورّم وجه التلميذ

09 يوليو 2017
+ الخط -

صديقنا سالم، الذي غادر بلدته السورية الصغيرة وذهب ليقيم في إحدى الدول الاستعمارية، حدثني عن المعاملة العجيبة التي يتلقاها تلاميذ المدارس في تلك الدولة الاستعمارية من قِبَل الأساتذة والإدارة، سواء أكانوا مواطنين أم وافدين.

يقول مثلاً: المدارس هنا مثل الحلم، مثل الكذب، شخصيات التلاميذ مصونة، ممنوع أن يبقى أي طفل خارج سور المدرسة مهما كانت الأسباب، وقلما تجد صفاً يحتوي على أكثر من عشرين تلميذاً. التلاميذ غير مقيدين بلباس رسمي، والأهم من كل ذلك أنه لا الأهل ولا المدرسون يستطيعون التفوه ولو بكلمة واحدة تهين مشاعرهم، فالقانون صارم حيال هذه المسألة.

يتذكر سالم حينما كان في سن السابعة، وأخذه أبوه وقيده إلى المدرسة، وقال للمعلم:
اللحم لك يا أستاذ أفندي والعظم لنا.

يومها أمضى سالم الدوام وهو حذر خائف جسمه مشحون بالكهرباء، متوقعاً في كل لحظة أن يأخذ منه الأستاذ لحماً! وفي عصريات النهار ذهب سالم إلى عمته العجوز وسألها عن معنى عبارة (اللحم لك يا أستاذ أفندي والعظم لنا) فقالت يعني أن المعلم يستطيع أن يضربك فيسبب لك رضوضاً وكدمات ووزمات ونبيرة في رأسك، ولكن لا يحق له أن يكسر عظمك. الكسر ممنوع.

كان سالم يحكي لمعلمة ابنه في البلاد الاستعمارية فيقول: ولكن، مع ذلك، ذات مرة ضرب أحدُ المعلمين تلميذاً فكسر له عظم العضد الأيمن!

شهقت المعلمة مواطنة الدولة الحقيرة وقالت: (you are joking) قال لها:
- وحق كلام الله لستُ (جوكينغ)، وقد أوضحت لي عمتي أن هذه الحالة، يعني الكسر، واردة، لأن اليد ليست ميزاناً، فقد تزيد شدة الضرب عن الحد المطلوب، أو يكون عظم الولد هشاً، فينكسر.

وأضاف سالم: وليكن في علمك يا آنسة أن والد التلميذ المضروب المكسور لم يرفع دعوى ضد الأستاذ، إذ قال بكل رجولة: لولا أن الأستاذ يريد مصلحة ابني لما جار عليه بالضرب. أستاذ آخر ضرب تلميذاً بالكف فخرق له غشاء طبلة الأذن.

غطت المعلمة الرقيقة وجهها بيديها غير مصدقة كل هذا، ثم رفعتهما وقالت له: كلامك يؤلمني. أكمل.
قال سالم: هذا في الصف، والصف، عندنا، مثل الجنة. وأما النار فهي في مكان آخر.
قالت المعلمة: كيف؟
قال: هناك أناس سجنوا في سورية 5500 يوم، يعني 15 سنة، وكل يوم كانوا يُضربون، طيلة تلك الأيام، دون انقطاع، ومَنْ كان منهم رقيق الجسم والمشاعر كان يموت ولا يوجد من يطالب بهم أو يجرؤ على المطالبة بهم.
عند هذا الحد لم يستطع سالم إكمال حديثه لأن المعلمة أغمي عليها، وركض ليطلب لها سيارة الإسعاف.

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...