يوم ضربني شقيقي على عيني

يوم ضربني شقيقي على عيني

03 يوليو 2017
+ الخط -
قال لي سالم الذي أصبح يعيش في البلاد الاستعمارية، ويحبها، ويدافع عنها بعدما كان يذمها ويؤكد أنها تعيش على نهب ثروات بلادنا: 

- هنا، في بلاد الاستعمار الحقير، لا يستطيع الأب أن يمد يده ويضرب ولده مهما كانت الأسباب والظروف. تسألني كيف؟ أقول لك بكل بساطة إن المدارس تعلم التلاميذ الاعتداد بذواتهم، ويعلمونهم، أيضاً، أن القانون معهم، وأن شخصيتهم لا يجوز المساس بها، وفي كل يوم يسألونهم عما إذا تعرضوا لإهانة أو ضرب في المنزل، وإذا ما لاحظ المعلم أو المعلمة وجود علامة على جسم التلميذ أو التلميذة يسارع إلى استجوابه لمعرفة ماذا جرى له. 

التلميذ لا يخاطب المعلم بصفة (أستاذ) أو (شيخ)، أو (حضرة) أو (سيدي) أو (رفيق)، بل يخاطبه باسمه الصريح المجرد من كل الألقاب، وكأنه ابن دورته في العسكرية، وكأنهما قد تناولا معاً أكثر من مائة قصعة مخلوطة بالعدس والبصل! فإذا فرضنا أن التلميذة سلمى أرادت أن تسأل المعلم باتريك سؤالاً فإنها تقول له:

- لماذا يكون مربع الوتر مساوياً لمجموع مربعي الضلعين الآخرين، يا باتريك؟

فيرد عليها باتريك شارحاً الجواب، مستخدماً اسم سلمى الصريح، من دون ألقاب طبعاً.

ثمة شاب من أصل لبناني أخبرني أنه كان يمزح في المساء مع ابنته وعمرها عشرة أعوام، وخلال المزاح قرصها من خدها. في اليوم الثاني، تعرضت البنية للتحقيق في المدرسة، ومع أنها قالت لهم إن والدها كان يمازحها فقد استدعوا الأب والأم وحققوا معهما، كلاً على انفراد، ليعرفوا الحقيقة، ويتأكدوا من أنها لم تتعرض لنهر أو ضرب أو عدوان..

مرة ابني "محمد" وهو في الصف الثامن، شاهدته معلمة الصف يعرك عينه فقامت واصطحبته إلى العيادة العينية في المدرسة، وهناك أجروا له فحوصات، ووضعوا له كمادات على عينيه. لم يكن به شيء، كان يعرك ربما بسبب النعاس. في اليوم التالي اتصلوا بي ليطمئنوا على عينه. 

توقف سالم وسألني: أنت تعرف شقيقي مازن الذي كان موجهاً في المدرسة الإعدادية التي تعلمنا فيها؟

قلت: طبعاً أعرفه. (وضحكت) كان يضربك بقوة أكبر لئلا يُقال إنه يحابي شقيقه.

قال: عليك نور. مازن كان يضربني مرة بالعصا على يدي، فأبعدتها، فنزلت العصا على ركبته، فطاش صوابه، وبدأ يعجقني مثل كيس الحصرم، وحينما كنت في البيت لاحظ أبي أن عيني قد طمرت من شدة الوزمة الزرقاء الحمراء فوقها، فقال لي: أيش بك ولاك؟

حكيت له القصة فقال لي: أي، أشو صار يعني؟ اتركها لا تحطها على بالك، يومين تلاتة وبتفش!    

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...