في نقد الولع بالمهمّشين

في نقد الولع بالمهمّشين

27 يوليو 2017
+ الخط -

باعتقادي، صار من الضروري التخلُّص من خطاب التماهي الاندغامي مع المهمّشين، إذْ يُقْصَد بالمهمشين، غالبًا، الكتلة الاجتماعيّة المفقرة المبعدة عن مراكز القرار الاقتصادي السياسي والاجتماعي، خصوصًا المديح المطلق غير المشروط للمهمّشين، ولخياراتهم السياسيَّة.

عمومًا، يعاني خطاب الدفاع المطلق عن المهمشين من عطبين: أوَّلاً، استخفافٌ بالمهمشين كفاعلين سياسيين قادرين على تفعيل وتحقيق خياراتهم واقعياً، أي كأفراد لهم المقدرة على تمثيل تصوُّراتهم السياسيَّة ماديّاً، خصوصاً عندما يصدر هذا الخطاب من أشخاص "غير مهمشين"، أي يقعون في سويّات طبقيّة واجتماعيّة وسياسيّة أكثر مركزيّة وإضاءة. ثانياً، فوقيَّة أبويَّة، تماماً، ككبيرٍ يربت على كتف صغير، كنوعٍ من التشجيع من عل.

ويجب، برأيي، التفريق بين مستويين: أوّلاً، أوضاع المهمّشين العينيَّة، ورفع الظلم والغبن عنهم، والوقوف ضدَّ العنف المادِّي والرمزي بحقّهم، والدفاع عن حقّهم في تحسين أوضاعهم الاقتصاديَّة، وتحقيق كرامتهم المعنويَّة، ومشاركتهم السياسيَّة في الفضاء العام، وتحطيم العلمانيَّة العربيَّة المعاصرة التي نشأت في كنف دولة الاستقلال "الحداثيّة"، والتي تتصف بالاستعلاء وضمور القيم وانعدام الضمير، والسكوت السياسي والأخلاقي على أوضاع المهمّشين الواقعيَّة، والعنفُ المادي والرمزي بحقّهم.

ثانيًا، التعامل بجديَّة ونقديّة ونديّة مع خطابات المهمشين، وليس بتفهُّم وتجاهُل وفوقيَّة، مع التخلّي عن نزعات الاندغام واللهاث واللحاق والركوب على الموجة.

المهمّشون في تركيا صوتوا لصالح أردوغان في الاستفتاء التركي، الاستفتاء الذي سيزيد، رُبَّما، من قبضة أردوغان في الحكم. والذين أوصلوا شخصًا متهوّراً وبشعًا مثل دونالد ترامب، إلى سدّة الرئاسة هم مهمّشو أميركا أيضاً. ومن أخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، هم المهمشون الموجودون في المدن الصغيرة والطرفيَّة. والمهمشون الأكراد في سورية وتركيا، هم من انضموا إلى صفوف حزب العمال الكردستاني وفروعه. كما أنَّ اليمين القومي والديني الشعبوي، ذا الأفكار المعادية للمرأة، والمصاب بلوثة رهاب المثليَّة، والمعادي للأجانب والمغايرين، ينتشر، بالمناسبة، في أوساط المهمّشين. وعلى فكرة، الجيش السوري الذي يقاتل إلى جانب نظام الأسد، يتكوَّن من مهمّشين!

بدل هذا الغرام بهذه الكتلة الاجتماعيّة السديميَّة الغامضة التي اسمها "المهمشين"، الأفضل، باعتقادي، العمل على إلغاء الشرط الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي وسّع من هوامش التهميش، مع مواجهة كريمة وشريفة ونديّة واعترافيَّة لخطابات المهمّشين.

هذا أفضل من أن تنعم بالقيم الغربيَّة الحديثة، والتي أفرزتها الطبقة الوسطى في أوروبا، وتدافع بشكل إطلاقي وإسكاتي عن خيارات المهمشين، والتي ربّما تكون بالضد من نمط حياتك وما أنت تؤمن به، وقتها هذا اسمه "نفاق" فقط.
دارا عبدالله
دارا عبدالله
كاتب سوري يقيم في العاصمة الألمانيّة برلين، من مواليد مدينة القامشلي عام 1990. له كتابان: "الوحدة تدلل ضحاياها" (صادر عام 2013) و"إكثار القليل" (صادر عام 2015). يدرس في كليّة الفلسفة والدراسات الثقافيّة في جامعة "هومبولدت" في برلين. من أسرة "العربي الجديد" ومحرّر في قسمي المدوّنات والمنوّعات. يمكن التواصل مع الكاتب عبر الحسابات التالية:

مدونات أخرى