تبّاً لأبحاثكم ودراساتكم

تبّاً لأبحاثكم ودراساتكم

21 يوليو 2017
+ الخط -
أنا الموقعة أدناه، أقول، وأنا بكامل قواي العقلية، لكل مؤسسات البحث العلمي والجامعات المرموقة في العالم الأول، تبّاً لكم ولدراساتكم وأبحاثكم، أبعدوها عنّا ولا تنشروا نتائجها حتى لا تصل إلينا.


لا تسربوا أعمالكم العلمية ودراساتكم إلى وسائل الإعلام حتى لا تنتشر بين الناس ويسمع بها القاصي والداني، لأنكم تتيحون بذلك المجال أمام إعلامنا المتلهف لكي ينشرها وتصبح عناوين للتندر والسخرية، وافهموها كيفما شئتم.



أقيموا الحظر على نتاجكم العلمي وأقفلوا عليه، وفّروه لناسكم ومجتمعاتكم واتركونا بحالنا أرجوكم. من قال لكم إن ما تجتهدون في إعداده والتمحيص به واستخلاص نتائجه إن كان علما بحتا أو دراسات اجتماعية وبيئية واقتصادية وإلى ما هنالك، يعنينا أو نتأثر به؟! إنكم حقا جاهلون بأمورنا.

راقبوا الحدود واستخدموا معارفكم التقنية لكي تجعلوا شغلكم على العلم مسألة غير عابرة للقارات. اخترعوا، وأنتم ملوك الاختراعات، "فلاتر" تمنع منشوراتكم البحثية من التداول وتحصرها ضمن نطاقاتكم؟ تسألونني كيف؟ بالطبع لا أدري، فأنتم من اخترعتم الإنترنت وتداولاتها. تقولون مستحيل! لا أظن أنه يستحيل عليكم ذلك إن نظرتم في الأمر ودققتم في انعكاساته علينا وعليكم.

أما قائمة الممنوعات التي يجب التقيد بها فهي كما يلي:

-الدراسات والأبحاث واستطلاعات الرأي التي تتناول بالتحليل والاستكشاف كل ما يتعلق بالعمل. ومنها شروط العمل الأنسب للموظفين، ساعات العمل المثلى، طرق زيادة إنتاجية الفرد عبر تحسين بيئة العمل، الاستراحة والقيلولة خلال الدوام ومفاعيلها على ذهن الموظف ونشاطه، تأثير ساعات العمل الطويلة على صحة العاملين، العلاقة الأمثل بين الموظف ورب العمل، إلخ إلخ.



-الدراسات والتقارير السنوية ونصف السنوية التي تبدأ بعبارة "أكثر الدول" أو "أفضل الدول"، نذكر منها على سبيل المثال التقرير المعتاد عن أكثر الدول سعادة، وأكثر الدول رفاهية ونظافة وحفاظا على البيئة وملاءمة للمشاريع، وأحسنها في البنى التحتية إلى نهاية المعزوفة، وصولا إلى أفضل الدول سمعة، وأنسبها للأمهات والأطفال وكبار السن وحتى للحيوانات.

- الدراسات التي تنتهي بتوصيات صحية وبيئية مرتبطة بالتصنيع من نوع "خففوا استهلاك البلاستيك"، "تجنبوا الأطعمة المعلبة"، "احذروا المواد الحافظة والملونات في طعامكم"، "لا تشتروا الأدوية من دون وصفة طبية"، "افرزوا نفاياتكم"، "أعيدوا تدوير منتجاتكم"، "لا ترموا مخلفات صناعاتكم في الأنهار"، "ازرعوا الأشجار"، وما شابه.

-الدراسات التي تصنف المناهج التعليمية تبعا للأكثر تميزا، وما يندرج تحتها من بنود تتعلق بالإدارة المدرسية وطرق التعليم وكفاءة المدرسين، خصوصا ما يرد ضمنها من استشهادات وأمثلة عن تجارب ناجحة من نوع "راتب المدرّس أعلى من راتب الوزير"، أو "العدد الأمثل للتلاميذ في قاعة الصف هو كذا"، أو "تقييم الأداء لا يستند إلى علامة الامتحان فقط"، وما إلى هنالك.

-الأبحاث الغزيرة وشبه اليومية عن الصحة النفسية والعقلية والعصبية وما يؤثر عليها سلبا أو إيجابا، وأمراض المرحلة التي تنهمر علينا مثل زخ المطر، منها الألزهايمر، والخرف، وكل ما يمت إلى الذاكرة بصلة.

رجاء أبقوا تحليلاتكم لكم، نحن شعوب في طور التنمية وكل دقيقة عمل إضافية تصب في تحسين مجتمعاتنا، ونحن نعمل بمبدأ أن التعب اليوم هو راحة في المستقبل. اتركونا نمضي ساعات عملنا مخدرين كالآلات. أما بالنسبة للذاكرة وطرق حمايتها والحفاظ عليها... ربما من الأفضل لنا أن ننسى ما يحصل في بلداننا حاليا.

تركنا لكم الصناعات الثقيلة، فاتركوا لنا الخفيف منها. نحن نجيد صناعة البلاستيك ولا تشغلنا مسألة عدم تحللها في البيئة ولو بعد مئات السنين، ونبرع في صناعة المعلبات مهما بلغ خطرها على الصحة، ولدينا مصانع لمواد التنظيف وكل أنواع البخاخات، المعطر منها والبائد للحشرات، بغض النظر عن مفاعيلها على أجهزة التنفس والأعصاب. ولنفرض جدلا أننا اتبعنا نتائج دراساتكم، فهل نبقى بلا تصنيع؟

اتركوا لنا قائمة الأغنياء، وقائمة أفخم السيارات في العالم، والساعات والحقائب والعطور والمجوهرات... نحن شعوب تنتشي بالكماليات ولو عن بعد. من يملكها يسعد بها ومن لا يملكها يحلم بها.

ولا تشيروا علينا بخصوص البيئة والنظافة وما يفيدنا ويضرنا من الأطعمة والمنتجات، لأننا مستمرون في الاتكال على أجهزة حماية المستهلك والجهات المعنية بنا كمواطنين، فالاتكال من شيمنا.

سؤال أخير: هل تأخذ حكوماتكم ومراكز القرار لديكم بنتائج أبحاثكم؟ سؤال غبي أعلم ذلك بدليل أن قوانينكم تتطور وتواكب مواقف وحاجات ومتطلبات شعوبكم.

لكن دراساتكم لا تفيدنا، لماذا؟ لأن من يقرأ النتائج المنشورة في الصحافة والتي تجذب القراء وتحصد أعلى نسب المشاهدة لدينا، هو كلّ غير قادر على التغيير.

لا توزعوا دراساتكم على وسائل الإعلام كي لا نترجمها إلى العربية وننشرها كيفما اتفق. وجّهوها برسائل خاصة، مختومة بالشمع الأحمر لتصل باليد إلى حكوماتنا. اكتبوا عليها سرّي للغاية علّها تثير انتباه المقررين لدينا، ومن بيدهم تغيير القوانين والأحوال ومجريات الأمور.

لا تليق بنا، في هذه المرحلة المصيرية في تاريخنا، المظاهرات التي تطالب بتقليص ساعات العمل، وكل ما تطرحه دراساتكم من عناوين صغيرة وكبيرة، فلدينا ما هو أهم وأعظم. وإن أردنا التظاهر فالأولى بنا أن نصرخ وننادي بوقف الحروب والدمار وقتل الناس.

اتركونا بحالنا الآن، ربما نستفيق بعد حين، وتصبح أولوياتنا متشابهة ذات يوم. ففي زمن الحروب تبدو عناوين الكثير من دراساتكم وعلومكم قضايا "فوق العادة" تثير البكاء والضحك معا.

دلالات

61B986DE-2650-44DE-86DA-74469348610B
سهى أبو شقرا

صحافية وكاتبة.. بدأت تجربتها في لبنان، ثم تنقلت بين الكويت والإمارات وقطر. عملت في إعداد البرامج التلفزيونية والإذاعية، ومنها برامج الأطفال.