عن شروط التدوين

عن شروط التدوين

03 يونيو 2017
+ الخط -
المقالة، حسناً، هي بضع كلمات عليًّ أن أشرح فيها موضوعاً ما بطريقة علمية، وأستحضر بعض المقولات المتعلقة بهذا الموضوع، ويجب أيضاً أن أكون موضوعياً وألا أخرج عن سياق الشرح الذي يلتف حول رقبته.. رقبة الموضوع أقصد.

لست مضطراً لكتابة شيء، لكن عليّ أن أستمر في السرد ولو بمقدار كلمتين لأبدو متفائلاً أمام نفسي بأنني أستطيع الكتابة، وأستطيع أن أمضي في الشرح لأكثر من سطرين، ويمكنني التركيز في موضوع واحد في حياتي، من دون أن أقفز كعادتي نحو الشرود والتخيلات.. والأمنيات!

رأيت منشوراً لأحد الأصدقاء يدعو فيه من لديه كلمتين خفيفتين أن يكتبهما على موقع عربي بات يرحب مؤخراً بتدوينات الشباب العرب، أثارني الموضوع وفتحت الموقع لأرى شروط التدوين، لم تكن جد معقدة تلك الشروط: كرشاقة النص مثلاً، الابتعاد عن الهجوم ضد شخص أو معتقد، اللطافة في التعاطي مع موضوع التدوينة.

هي شروط لا بد بسيطة وغير مكلفة لمن يمكنهم الكتابة، لكن ليس بالنسبة لي، فأنا لا يمكنني إلا الهجوم، الانتقاد، حتى ولو لم أكن معنياً بمن أهاجم، كشرنقة طفيلية تجدها في كل مكان.

وإن وجدت موضوعاً لأكتب فيه، كيف لي أن أخوض في البحث عن هذا الموضوع لأكثر من سطرين دون أن أنعس؟ وكيف لي أن أقيم هذا الموضوع إن كان يستحق الشرح أو لا.. يا هل ترى .. هل يعتبر استماعي للراديو فجر اليوم بملل موضوعاً يستحق الكتابة؟

ومن شروط ذاك الموقع اللطيفة ألا تتعدى كلمات التدوينة 500 كلمة، وكأني امتلكت كلمتين لأصل إلى 500، غريبون هم الكتّاب الذي يسردون في كتاباتهم حتى يصلوا إلى حد لا تتسع فيه أفكارهم في كتابين أو ثلاثة. 

لم أكن أفكر في مضمون "رأس المال" لـكارل ماركس أكثر مما فكرت كيف استطاع أن يفرغ من دماغه كل تلك الكلمات، وكذلك ويل ديورانت في "قصة الحضارة"، بالطبع هناك الآلاف من الأفكار التي تجول في رأس كل منا، لكن.. من ذا الذي يترجمها إلى كلمات؟ من هذا الذي يبوح بما في خاطره بدقة؟ 

هل أدمغتهم أكثر وضوحاً؟ أم أنهم دائماً يفكرون بطريقة "تشكيل جمل مفيدة"؟ هل هم مثلي أنا يستيقظون مفعمين بالكلمات فيجدون أنفسهم أمام الثلاجة يلتهمون ما تصل إليه أيديهم؟ كيف تشكلت أفكارهم في مئات الفصول؟ وتكاثرت إلى كتب وأجزاء ومجلدات وموسوعات؟ وهل الـ500 كلمة تعني شيئاً لهؤلاء؟ أم أنها لا تكفي لنطق أول حروف أفكارهم؟

يحاول الشعراء أن يصفوا مشاعرهم من خلال ترميز قد نلمحه يقفز بين مقطع ومقطع، وتتجمع أفكار شتى في جملة شعرية واحدة، إنه تشتت، ورمزية في الوقت ذاته.. هل التشتت في توصيف الفكرة هو الذي جعل الشعراء بليغين ومجانين في الوقت ذاته؟ وفي كل واد يهيمون.

كل هذه تساؤلات قد ترتب لي فكرة واحدة لي إن حالفني الحظ وترتبت، ولهذا السبب أحاول أن أكتب لنفسي كل يوم رسائل أشرح فيها أفكاري، لكني لم أفهم نفسي يوماً، وأكاد أجزم أن من كتب لي هذه الرسائل مجنون لا محالة، المسكين لا يمكنه حتى أن يقول لي من هو، وفقير حتى ليستمر في جملة واحدة دون أن يعتذر ثم يقول: "لنبدأ من جديد".

دلالات

074C0853-666C-4C08-B790-7BB0EE69C856
نور عجوم

كاتب صحافي... بدأت بالعمل الصحفي في سوريا ثم تابعت في عدد من الصحف الهولندية.