الخلاف السعودي القطري

الخلاف السعودي القطري

22 يونيو 2017
+ الخط -
يأتي الخلافُ السعوديُّ- القطريُّ، في سياق انحيازات واصطفافات جديدة، بدأت تتبلور ملامحها أكثر فأكثر مع الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية منذ عام 2011. وبات واضحاً أن هذه الأحداث ساهمت في تظهير أوضح لملامح ثلاث دول تتنافس على لعب دور"الدولة القائد في منطقة الشرق الأوسط". 

المشروع القومي العربي الذي بدأ هزيلاً في خمسينيات القرن الماضي أُعدم واقعياً في بغداد وتم دفنه على أبواب دمشق. المشروع الإيراني كان صاحب الحظ الأوفر في التركة، فاستطالت طهران نحو دمشق وبغداد بالإضافة لحصص وازنة في لبنان واليمن. تركيا التي لم تتوفر لها فرصة أن تكون مذيّلة بالاتحاد الأوروبي، كان خيارها الآخر أن تكون رأساً في المنطقة العربية في ظل انعدام المشروع، وكان الإسلام السياسي كلمة السر، مترافقاً بعدم وجود حاضنة سياسية لكثير من السنة، الأمر الذي مكنها من حضور قوي في كثير من أماكن وجودهم، فاحتوت الإخوان، ووجدت في قطر وصيفتها لتمرير مشروعها الذي كاد أن ينجح لولا أن السعودية دفعت بكل ثقلها لتكون مصر من حصتها بعد ثورة مضادة ناجحة، دفعت لأجلها المليارات.


في طريقها للاستحواذ بما يمكن الحصول عليه من بقايا مشروع قومي عربي نافسته وقاتلت ضده عقوداً، وجدت السعودية نفسها أمام مشروعين غير عربيين يستحوذان النصيب الأكبر من الكتف العربي، الأمر الذي جعلها تكون ثالثاً في قوة الحضور الإقليمي. 

وإن بدا أن محوري كل من أنقرة وطهران مُعنونَان بلبوسٍ مذهبي، إلا أن ذلك لا ينفي أن الحامل الأساس لكلا المشروعين قائم على فكرة القومية. على العكس من السعودية التي لم يتجاوز مشروعها حدود الانتماء العائلي بعيداً عن أي فكرة جامعة سواء إسلامية أو حتى قومية.

أمام هذا المشهد الإقليمي، وفي ظل تزاحم وتنافس في أكثر من جغرافيا وملف، وخلال السنوات القليلة الماضية، أرادت السعودية أن تدير علاقتها مع قطر بطريقة الابن الضال الذي يجب هدايته، على أمل أن لا تكون قطر الخاصرة الرخوة لمشروع سعودي غير مكتمل شروط النجاح بالأساس. إلا أنها وبعد محاولات فاشلة، وجدت أن قطر ليس فقط ولداً عاقاً، بل وجدت فيه ولداً ينكر شرعية الانتماء على اعتبار أن أصول القبائل المؤُسِّسة لدولة قطر تعود إلى نجد. وما يزعج السعودية أكثر هو انخفاض سقف مطالبها بضم قطر لها في بداية القرن العشرين باعتبارها جزءاً من إقليم الأحساء، إلى دعوتها لتكون عضواً منضبطاً بالحدود الدنيا في مجلس التعاون الخليجي. هذا من حيث المبدأ، وفي التفاصيل، يأتي الانزعاج السعودي من قطر ليس في كونها تغرد خارج السرب الخليجي بقدر ما أنها تسعى لتكون بديلاً عن المظلة السعودية، فقد استطاعت أن تبني التحالفات وتخلق الأدوات التي تمكنها من تحقيق قوة ناعمة ذات وقع عند الحديث عن رصيد القوة. و بلا شك، فإن استقلالية القرار القطري بعيداً عن الوصايا السعودية، وخاصة في ملفات حيوية، كالتحالف مع تركيا في دعم الإخوان، أسهم في جعل الانزعاج السعودي يبلغ ذروته. 

لم تعبر السعودية عن سخطها تجاه سلطنة عمان حول بعض الملفات الخلافية، وخاصة من جهة علاقتها بإيران، وكذلك عدم مشاركتها بعاصفة الحزم. وكذا الحال بالنسبة للإمارات التي لم تعكر قضية الجزر صفو العلاقات أمام تنامي حجم التبادل التجاري بين الطرفين ليبلغ في العام الماضي قرابة 16 مليار دولار. فكلتا الدولتين لا تمارسان دوراً استبدالياً بل تقرّان بالعباءة السعودية كقاطرة لمجلس التعاون الخليجي، وتؤكدان أنهما امتداد لهذا المحور وتمارسان سياستهما الخارجية من تحت العباءة لا من خارجها. على العكس من قطر التي تمارس دوراً تنافسياً يرتقي لدرجة الاستفزاز في كثير من الأحيان. الأمر الذي دفع السعودية لجملة الإجراءات الأخيرة.

 لقد بدا واضحاً أن البيان السعودي يهدف إلى التحشيد والتأييد المحلي أولاً، بتأكيده أن هذه الإجراءات جاءت نتيجة للانتهاكات الجسيمة التي تمارسها السلطات في الدوحة، سرّاً وعلناً، طوال السنوات الماضية بهدف شق الصف الداخلي السعودي. وثانياً، لكسب التأييد الدولي، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية، باتهام قطر باحتضان جماعات إرهابية وطائفية متعددة تستهدف ضرب الاستقرار في المنطقة، ومنها جماعة "الإخوان المسلمين" و"داعش" و"القاعدة". وقد تم استتباع ذلك بحماس من قبل الجبير، وذلك تماشياً مع تصريحات ترامب في السعودية بتوصيفه حماس حركةً إرهابية، وهذا سقوط أخلاقي أكثر منه سياسي.

أغلب الظن أن ردة فعل السعودية الخشنة تجاه قطر، لم تأت لتُستكمل بفعل عسكري فيما لو لم تستجب الدوحة لجدول طويل من المطالبات السعودية. بل إن رفع مستوى ما هو مطلوب قطرياً جاء بهدف الوصول لتسويات مقبولة سعودياً تكون في حدها الأدنى أعلى مما تم التوافق عليه في 2014. وبضوابط ومعايير تلزم الدوحة بعدم التحلل من التزاماتها. ويأتي استبعاد خيار العمل العسكري لأسباب عديدة، أهمها، أن الأسر الحاكمة في الخليج تدرك أن أنظمتها السياسية هشة بما لا يجعلها تحتمل حروباً في ظل موجة الحراكات العربية في السنوات الأخيرة، كما أن ردة الفعل التركية جاءت كرسالة واضحة للرياض بأن العمل العسكري خيار غير مسموح به، وأيضاً جاءت كإقرارٍ منها أن قطر أحد أركان محورها ولا عودة عن ذلك. والأهم من هذا، و ذاك هو أن أي عمل عسكري في هذه المنطقة بالذات من العالم يستوجب توافقات وموافقات دولية وإقليمة وهو غير متوفر بحده الأدنى. فتصريحات الأميركان المتناقضة تأتي بهدف الاستثمار السياسي والاقتصادي، أكثر منه تجاوباً مع رغبات الرياض بالضغط على الدوحة. والشغل الشاغل لترامب هو البحث عن توقيت مناسب لابتزاز جديد للمال الخليجي. وكم هو عدد المرات التي سيعاود فيها تكراره لتغريدته على تويتر ليردد ما قاله للأميركيين: "أحضرت مئات مليارات الدولارات من الشرق الأوسط إلى الولايات المتحدة يعني وظائف، وظائف، وظائف".

أغلب الظن أن الأمور ستتجه نحو مساومات بتدخلات إقليمية ودولية تتنازل بموجبه قطر بما يحفظ ماء وجه السعودية. وكلا الطرفين مدرك تماماً أن هذه الجولة ليست الأخيرة. فجولات جديدة للخلاف قادمة. مع القناعة أن استخدام السعودية أسلوب العصا الغليظة لاحقاً لن يجدي نفعاً باعتبار أنها استنفدت هذه المرة كل ما تملك من أدوات ضاغطة. وفي ذات الوقت، فإن استمرار استخدام قطر قوتها الناعمة أيضاً لن تجدي نفعاً لأن تكون بديلاً، طالما أنها تفتقر لقوة خشنة فاعلة. 

04332C5B-19B2-4A90-A9D2-A1144D58B601
04332C5B-19B2-4A90-A9D2-A1144D58B601
أشرف محمد موسى

اشرف موسى - اكاديمي فلسطيني مقيم بالمملكة المتحدة - دكتور في العلاقات الدولية - مدرس سابق في عدة جامعات سورية- حاليا باحث في جامعة سانت اندروس - قسم العلاقات الدولية

أشرف محمد موسى