مؤانسات رمضانية (12) الحمصي والسيارة العجيبة

مؤانسات رمضانية (12) الحمصي والسيارة العجيبة

17 يونيو 2017
+ الخط -
قال أبو النور، إن الموجودين هنا كلهم أناس أسوياء ومُحبِّون للحياة، بدليل أنهم يضحكون للنكتة الذكية الخاطفة، ويندهشون مما يسمعون إذا كان فيه شيء يدهش. وأما فقدان الدهشة فهو، على حد تعبير الأديب الراحل حسيب كيالي، نوع من المرض، فالإنسان الذي لا يندهش مسطح، أو كما قال المتنبي: "تستوي عنده الأنوار والظُلَمُ"، وفي قصيدة أخرى: "ما لجرح بميت إيلامُ"!
وعلى ضوء ذلك، نقول إن أهل مدينة حمص العظيمة هم أكثر الناس حياةً، لأنهم الأكثر اندهاشاً، وأنت لو تتبعت الطرائف والنكات الحمصية التي يؤلفها غالباً الحمصيون أنفسهم، لوجدتها قائمة على عنصر الاندهاش الذي يصل أحياناً إلى حدود الغفلة، والانسلاب، وهنا بالتحديد يكمن الجانب المضحك فيها.

قال كمال الطبنججي: حقيقة إن هذا الكلام لا يختلف حوله اثنان، ولكن الغفلة المضحكة، مع تركزها في حمص الجميلة، إلا أنها موجودة في كل مكان. فأنا، كما تعلمون، مُوظّف في شركة المغازل والمناسج بحلب. وفي كل يوم، منذ ربع قرن، أستيقظُ في السادسة صباحاً، أذهب إلى دوامي ولا أعود حتى الثالثة والنصف ظهراً، وزوجتي هي التي توقظني وتسقيني القهوة وتضع لي طعام الفطور.. وقبل حوالي ثلاثة أشهر صدر قرار بزيادة الرواتب والأجور للعاملين في الدولة من دون استثناء. المهم، أن زوجتي لاقتني وأنا عائد من العمل لتطمئن علي إن كان راتبي قد زاد أم لا، فقلت لها: "طبعاً زاد" فاندهشت كثيراً وقالت لي: "كيف زادوه وأنت متقاعد؟".

ضحكنا بقوة وصفاء حتى دمعت أعيننا، وقلت حينما ساد الصمت:
- أجمل ما في مجموعتنا أن المشاركين في الأحاديث السامرة لا يخرجون عن الموضوع المطروح. وإكراماً للأستاذ كمال سأحكي لكم عن الحمصي المندهش الذي سافر مرة إلى دمشق فأدهشه كل شيء فيها، حتى إنه التقى بالمصادفة برجلين أو ثلاثة، وتعرَّف عليهم فتبيَّن له أنهم مثله من حمص، وقد علق رجل شامي على الموضوع قائلاً: "أرأيت يا أستاذ كم يوجد أناس حمصيون في الشام؟". فضحك الحمصي منتصراً وقال: مهما كان عددهم كبيراً هنا ففي حمص عددهم أكبر.

وكان ذلكم الحمصي ذاهباً في الأساس لمراجعة إحدى الوزارات لقضاء عمل إداري خاص به، وهو لا يعرف أين تقع الوزارة الذاهب إليها، فاستأجر تكسي. ولعلمكم فإن معظم تكاسي الأجرة المستخدمة في حمص هي من نوع "تاونوس". ولذلك، اندهش الحمصي حينما شاهد سيارة مرسيدس، استوقفها وركب فيها وقال للسائق: "خذني إلى الوزارة الفلانية. ثم إنه شرع يستطلع محتويات "كبين" السيارة الداخلي مبدياً دهشته من كل شيء:
- أيش هذا أخي؟
- دركسيون (مقود).
- لماذا الدركسيون؟
- لنقود به السيارة.
- وهذا أيش اسمه؟
- فيتيس.
- لماذا الفيتيس؟
- لنركب به الغيارات ونسوق.

وهكذا يسأل والسائق يجيب، حتى وصلوا إلى الحارة التي تقع الوزارة فيها، ووقتها كان الحمصي قد انتهى من استطلاع كبين السيارة، وأرسل بصره إلى الخارج، وشرع يسأل عن الأبواب والرفاريف (الصدامات) الأمامية والخلفية، دواليك حتى رأى في مقدمة السيارة دائرة معدنية تتوسطها نجمة ثلاثية، هي شعار مرسيدس التجاري. قال الحمصي: أيش هذه؟
قال الشامي: هذه نيشان.
- نيشان؟ كيف نيشان يعني؟
- للتسديد.
- التسديد؟ على شو؟
- على الشخص الذي نريد أن ندهسه!
بلغت دهشة الحمصي أقصاها وقال مبتهجاً: بجد؟ كيف تسدد. علمني أرجوك.
قال الشامي: حينما نقرر دهس رجل ما فإننا نضعه في وسط الدائرة الأمامية هذه، ونمشي إلى الأمام ونحن ننظر إليه من خلالها حتى نصيبه.
قال الحمصي: ادهس لي رجلاً، أرجوك!
قال الشامي: حاضر.
وتقدم من رجل عابر بسرعة، ثم انعطف يساراً قبل أن يصل إليه مخافة أن يؤذيه. ولكن الغريب في الأمر أنه أصاب الرجل فعلاً.
امتقع وجه السائق الشامي وأوقف السيارة مذهـولاً، فقال له الحمصي بلهجة إسرار: النيشان عندك يحتاج إلى تصليح وتعيير، فهو ليس دقيقاً، حتى إنني اضطررت إلى فتح الباب الأيمن للسيارة حتى أصبت الرجل.
(ملاحظة: هذه الطرفة للإضحاك وليست للتجريب، فحذار!).

(يعود تاريخ هذه الحكايات إلى ما قبل ربع قرن من الزمان)

دلالات

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...