عندما لا يغادر الحب البلاد

عندما لا يغادر الحب البلاد

15 يونيو 2017
+ الخط -



قرأت كتاب "الحب لا يغادر البلاد" للمغيرة الهويدي في العام الفائت. ولسبب لا أعرفهُ أعدّتُ قراءة الكتاب مجدداً قبل أيام قليلة. ومنذ ذلك الوقت، وأنا أحاول كتابة مقال عن هذا الكتاب. ولا أعتبر هذا المقال مقالاً نقدياً أو ما شابه، إنما نص أتحدث فيه قليلاً عن هذا الكتاب فقط.

يتناول الشاعر، المغيرة الهويدي، في كتابه "الحب لا يغادر البلاد" الصادر عن الدار العربية للعلوم العربية ناشرون عام 2014، والذي يُعتبر أيضاً كتابه الأول، عدّة قضايا أهمها الحب والحرب. ويظهر ذلك بوضوح من خلال عنوان الكتاب "الحب لا يغادر البلاد" أي البلاد الغارقة في الحرب.

ويشعر القارئ أثناء قراءته الكتاب أنّه يقرأ يوميات الكاتب، وربما ما يشعر به أيضاً نحو الحب والحرب وبلاده. بالإضافة إلى عدّة قضايا متفرعة عن الحرب ذاتها، كالفقد والموت واللجوء. وتولِّدُ بعض القصائد أثناء قراءتها انطباعاً لدى القارئ بأنها، بالإضافة إلى أنّها يوميات، مشاهد بصرية التقطها الكاتب وحولها بمهارة عالية إلى نصوص شعرية تترك أثراً واضحاً في نفس القارئ.

ونص "روتين" ربما مثال على ذلك. حيث يقول الكاتب "هذه الأيّام مثل خزانة ثياب/ كان جديداً/ وكنتُ سعيداً/ وكنتُ أنتظر الصباح لأرتديه/ لأمضي إلى مصادفةٍ مُتقنة/ وكنتُ.../ لكنَّ القمصانَ تشابهتْ علَي".

الحب في قصائد المغيرة حاضر بقوة كبيرة، ويمثلُ ربما الجزء الأكبر من الكتاب. ورغم ذلك، لا يذهب الشاعر بعيداً عن الواقع وما يحدث في سورية، حيث باتت الحرب المُلهمة الأولى بالنسبة للكثير من الشعراء السوريين.

ويحاول المغيرة في هذا السياق جعل الحب والحرب توأمين في قصائده، حيث يقول في قصيدة بعنوان "لجوء": "سربُ سنونو أفرّ من موت البلاد إليها/ وماذا أفعل غير اللجوء إلى عينيها/ في زمن الحرب والأسقف المستعارة". وفي القصيدة ذاتها، يتناول الشاعر حال البلاد بعد الحرب.

يقول "هي البلاد حربٌ وتاريخُ حجارة/ هي البلاد استلابُ الأمان/ صناعة الخوف/ وتسويقه/ هي البلاد الخبر العاجل/ وموتٌ مجانيّ أمام الخبز والفرح الليلي ودفتر التوقيع الصباحي".

في قسم "دمشق الهامش والمتن"، الذي خصّصهُ الشاعر لمدينة دمشق، يتحدث بتوقٍ واضح عن المدينة، وعن رغبته في أن يكونها، حيث يقول في إحدى قصائد القسم "أبالغُ في الظنّ، أدري.../ حين أظنّ أنّني ربما أصير دمشق كلّها".

في قصيدة "على هامش المقبرة"، القصيدة الأولى في قسم "وطن وعلم ومقبرة"، يتحدث الشاعر عن الأمهات في الحرب بشكلً مؤلم. حيث يقول في تلك القصيدة "رفقاً يا وطنُ بالأمّهات/ وهناً على وهنٍ حملْنَنا/ كبرنَ في ظلال النذور/ وجفّ فراتُ الصّدر". في ذات القصيدة يقول أيضاً" هل فكّرت وأنت تسدّد فاتورة الرّعب/ كيف تقابل وجه أمّك في الصباح؟/ كيف تنتظر الدّعاء/ الأمُّ هي الأمُّ/ لكنْ/ لا يصل الدّعاء" وفي نهاية القصيدة يقول "يخفّ الحزن صدقني/ يخفّ كثيراً/ في زيارة الأمّهات للمقابر".

في القصائد المتبقية يتحدث الشاعر بشكلٍ أعمق عن الوطن. وفي قصيدة "أدوات حادّة" يتحدث عن خوفه من الوطن. يقول"لماذا أخاف من الأدوات الحادّة؟/ من الوطن على سبيل الاستدراك؟". وفي القصيدة الثالثة من قسم "الحرب لا تقول الحقيقة كاملة" يترك الشاعر القارئ تحت تأثير الصدمة في نهاية القصيدة. حيث يقول "لنأخذ هدنةً أيُّها الوطن/! تكمل فيها أعمالكَ المؤجّلة/ تخرج بها إلى زوجتك التي تنتظر/ إلى أولادك البائسين/ وأعود بها إلى وطني!". ويقول أيضاً في القصيدة رقم 13 من ذات القسم "وماذا يفعلُ الغريب في بلادٍ بلا أبواب؟/ يكسر يده/ ويتسوّل وطناً:/ يا هيه! يا ربَّ البلاد!/ بلاداً من عرض البلاد".

في القسم الأخير من المجموعة "أوراق على طاولة مواطن مفقود"، نجدُ الشاعر يحاول خلق تعريفات جديدة للحرب والحب والوجع، حيث يقول في قصيدة "ورقة 7": "الحربُ مثل مشاجرة صغيرة خلف المدرسة ساعة الانصراف لا يمكنك تجنّبها". وفي قصيدة "ورقة 10" يعرّف الشاعر الوجع كالتالي "هل تعرف ما هو الوجع؟ هو ألا تموتَ (أحياناً)، أن تخطئك أسبابه الّتي تعدُّ وتصيب غيرك؛ غيرك الذي تتمنّى له أن يعيش".

في النهاية يشعر القارئ بشكلٍ عام، والقارئ السوري بشكلٍ خاص، أنّ هذه القصائد والنصوص تمثلُ حالته بشكلٍ دقيقٍ جداً. وما يعيشه في الحرب. لقد نجح المغيرة من خلال قصائده ومهارته العالية في أن يجعل القارئ يشعر بذلك.

 

 

دلالات